القائمة الرئيسية

الصفحات



دراسات في الشخصية الدولية الدكتور محمد ثامر








دراسات
في الشخصية الدولية
الدكتور
محمد ثامر
الطبعة الاولى
بغداد 2010









الباب الاول


الاهلية الدولية والشخصية الدولية




                                          المقدمة
       الشخصية القانونية الدولية موضوع كلاسيكي من مواضيع القانون الدولي العام طالما كتبت عنه أمهات الكتب في هذا الفرع من فروع القانون  ، ويندر إن تجد كتاب من كتب القانون الدولي لا يزخر ولو بإشارة بسيطة لهذا الموضوع .
    غير أن الجديد في هذا الكتاب انه يلقي الضوء ، في محاولة منه ، لإيجاد فرق أو تمييز جوهري بين الشخصية القانونية الدولية والأهلية القانونية الدولية ، مدركا في خضم ذلك إن أي محاولة لإجراء هذا التمييز يجب أن تستند أساسا إلى تمييز كلا منهما تمييزا قانونيا لا يستند إلى مفردات بقدر استناده إلى واقع ملموس ، ومعترفا في ذات الوقت إن هناك تداخلا يكاد يكون مطبقا بين الاصطلاحين ، حتى إن بعض الفقهاء حينما يرومون تعريف الشخصية القانونية يعرفونها على أنها الأهلية ، أو حينما يعرفون الأهلية يعرفونها على أنها الشخصية الدولية ، وهنا تكمن اهمية هذا الكتاب ، فهو الكتاب إلا ول ، أو لنقل انه المحاولة الأولى لرسم حد فاصل بين الأهلية القانونية الدولية والشخصية القانونية الدولية ، وهو ليس كتابا نظريا مأخوذ بآراء الفلاسفة واعتقادات الفقهاء فحسب ، بل هو كتاب عملي ذو مغزى تطبيقي ينصرف تقريبا إلى العديد من مفردات القانون الدولي العام . 
     فالقول أن دولة ما لها أهلية قانونية تامة أو شخصية قانونية تامة ينصرف إلى أكثر من مفردة من مفردات القانون الدولي العام ، فهو ينصرف مثلا إلى سلطة إبرام المعاهدات الدولية ، وينصرف الى نظام المسؤولية الدولية ، وينصرف إلى موضوع الدول الناقصة السيادة ، والدول التامة السيادة ، وينصرف إلى موضوع الحماية الدبلوماسية ، وباختصار شديد ، أي حق وامتياز أو اختصاص يمكن أن تمارسه الدولة ، أو أي تعبير عن إرادة ذاتية في ميدان العلاقات الدولية ، وإذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الاتساع المحتمل في نطاق هذين الأمرين ( الامتيازات ، والاختصاصات ، والقدرة على التعبير عن إرادة ذاتية )  لأمكننا أن ندرك أهمية تحديد مدى توافر شرطي الشخصية الدولية ونوعي الأهلية .
    إن الطبيعة الاستقرائية للكتاب فتحت الباب أمام استنتاجات مهنية كثيرا ما تراكمت أثناء تدريس مادة القانون الدولي العام ، كمادة منهجية لطلبة المرحلة الثالثة في كليات القانون ، أو حتى إثناء قراءة أي كتاب من الكتب المرجعية في القانون الدولي العام .
     لا يمكن لكتاب مقتضب كهذا  ، أن يحيط بموضوع في غاية الاتساع كموضوع الشخصية الدولية ، أو الأهلية الدولية ، حيث انه يصلح لأعداد أطروحة دكتوراه وقد كتب فيه الدكتور محمد كامل ياقوت أطروحة دكتوراه بالفعل ، ولكن الكتاب سيركز كثيرا على العلاقة بين الموضوعين ، وبغية الإحاطة بفحوى هذه العلاقة خصص الفصل الأول لتحديد سمات وخصائص كلا منهما في حين خصص الفصل الثاني لتحديد شروطهما .
   










الفصل الأول
تعريف الشخصية الدولية والأهلية الدولية
يكاد الفقه يجمع على أن المقصود بالشخصية الدولية أو الشخص القانوني لكل نظام هو من تخاطبه أحكام ذلك النظام وقواعده، فتقرر له حقوقا أو تملي عليه التزامات. أي انه غاية ذلك النظام ، ومحل اهتمامه وعنايته ، به تقوم الحقوق والواجبات التي ينص عليها ومن اجله وجدت ، فكل نظام قانوني يتكون من مجموعة من القواعد القانونية يتمتع المخاطبون بها بوصف الشخص القانوني ، ويتولى هذا النظام تحديد الأشخاص المخاطبين بإحكامه ، وبما يفرضه من التزامات ويقره من حقوق([1]) ، أما أهلية الشخص القانوني فهي على نوعين : أهلية الوجوب ، وهي الأهلية المجردة التي تكسب صاحبها أمكان التمتع بمجموعة معينة من الحقوق والواجبات ، وأهلية الأداء ، وهي التي تكسب الشخص القدرة على المباشرة الفعلية لهذه الحقوق والواجبات ، وقد عرف القانون الدولي العام كسائر القوانين هذين النوعين من الأهلية ، ويبدو أن الشخص الدولي لايكتسب أهلية الأداء إلا  إذا كان له القدرة الفعلية على مباشرته لأهلية الوجوب ، فالدول المحمية مثلا ، تتمتع بما تتمتع به كافة الدول من الحقوق والالتزامات ، غير أنها موقوفة عن مباشرتها أو مباشرة قسم منها بحسب الأحوال بسبب خضوعها لنظام الحماية ، فهي إذا عديمة الأهلية أو ناقصتها من ناحية الأداء ، ولا تكون هذه الأهلية أو تكتمل إلا إذا زال عنها هذا النظام ، وبذلك تنتقل أهليتها من نطاقها العام الوجوبي المجرد إلى نطاقها الفعلي الأدائي المحدد ([2])، فالأهلية إذن تنصب على اكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات ، وكذلك المحافظة عليها عن طريق رفع الدعاوى القضائية ([3]) . وصاحب الأهلية القانونية بنوعيها الأدائي والوجوبي إما شخص طبيعي ، وهو المألوف ، أو شخص اعتباري ، أي شخص يقوم على فكرة اعتبارية مقتضاها إعطاء جماعة في نطاق نشاط معين شخصية قانونية تخولهم التمتع بالحقوق والالتزامات لتحقيق الأهداف التي وجدت من اجلها هذه الشخصية ، ولطالما تعرضت هذه الفكرة لنقد شديد في الفقه الحديث كان من شانه التشكيك بقيمتها العلمية وإضعاف مكانتها بين نظريات القانون المعتمدة ، وليس ثمة شك في أن التسليم بفكرة الشخصية المعنونة على اعتبار أنها كالأشخاص الآدمية سواء بسواء هو محض مجاز وخيال ووهم ، إذ ليس من المقبول عقلا أن يكون لغير الإنسان إدراك وإرادة تمكنه من التصرف في المجال القانوني ، بيد إن الكشف عن طبيعة وجود هذه الفكرة وحقيقة أهدافها في الحياة القانونية ، يهدم من الأساس كل النقد الموجه إليها فهذه الشخصية لم تقم على فكرة الإدراك والإرادة التي لا يتمتع بها غير الإنسان ، بل قامت في حقيقة الأمر على أنها طريقة وأداة قانونية مثلى أريد بها خدمة الجماعات على اختلافها ، ذلك لان الإفراد الذين لهم مصالح وأهداف متحدة لايمكن أن يحققوا لهذه المصالح والأهداف كيانا مستقلا عن المصالح الخاصة لكل فرد ، إلا على أساس الاعتراف للجماعة بشخصية قانونية مستقلة عن الأشخاص الأعضاء الذين تمثلهم ، وهذه الشخصية بعد ذلك قد أملت ضرورة وجودها في مجال القانون ضرورات عملية على جانب كبير من الأهمية ، فنشاط الجماعات على اختلاف وجوهه يتعذر مباشرته من قبل أعضائها ، لذلك أصبح لزاما أن تسند هذه المباشرة لأشخاص معينين من قبل الجماعة ، يقومون بتمثيلها وممارسة ما يتفرع عن شخصيتها المعنوية من حقوق وواجبات باسمها وهكذا يبدو واضحا أن الشخصية المعنوية توجد بعناصر اجتماعية وقانونية معينة ، فلابد أولا من وجود مصالح عامة مشتركة تمثل اجتماع واتحاد مصالح فردية معينة على صعيد واحد ، يرمي إلى تحقيق الغايات الاجتماعية التي وجدت من اجلها الشخصية ، ولابد ثانيا من وجود وسائل قانونية ومالية تستخدم لتحقيق هذه الغاية ، ولابد ثالثا من أن يكون التوجه مناط بجهاز قادر على التعبير عن هذه الشخصية والتصرف بشؤونها ، إذن فإرادة الشخصية المعنوية ليست في الحقيقة سوى إرادة أعضائها إذا ما تم استعمال هذه الإرادة في حدود الاختصاص المقرر بمقتضى هذه الشخصية ، فالمجتمع الذي يحكمه القانون لايوجد فيه الأشخاص تلقائيا وإنما يتحقق وجودهم فيه بالحدود التي يقرها القانون ([4]) ، وإذا كان هناك ثمة إجماع بشان أن النظام القانوني ، هو الذي يحدد أشخاصه وان الأهلية الدولية تنقسم إلى أهلية أداء وأهلية وجوب ، فأن التعاريف التي ساقها الفقه للشخصية القانونية تنطوي على تداخل للمفهومين ، الشخصية والأهلية ، فالشخصية الدولية هي صلاحية كيان أو وحدة سياسية معينة لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات وفقا لقواعد النظام القانوني الدولي دون وسيط ، أي الاتصال مباشرة بقواعد هذا النظام ([5]) أو هي نوع من العلاقة تقوم بين نظام قانوني معين وبين الأشخاص الذين يتمتعون بالحقوق التي يقرها ، ويلتزمون بما يفرضه من التزامات ([6])، أو هي القدرة على اكتساب الحقوق ، وتحمل الالتزامات والقيام بالتصرفات القانونية ورفع الدعوى إمام القضاء ([7]) أو بشكل أكثر تحديدا ، هي أهلية اكتساب الحقوق والالتزام بالواجبات مع القدرة على حمايتها والمطالبات الدولية بها ، سواء كان ذلك عن طريق رفع الدعاوى أو بطريق آخر ([8]) .
    وهكذا فان هناك ثمة تداخل يكاد يكون مطبقا بين تعريف الأهلية الدولية والشخصية الدولية، حتى إن البعض عرفها صراحة بأنها: (( أهلية اكتساب الحقوق والالتزام....... )) والحقيقة أن إزالة هذا التداخل يتم عن طريق تحديد، وقبل ذلك الإقرار بالرابطة القوية بينهما، وبالسؤال الحتمي الذي يمكن إن ينساق هناك، هل إن الشخصية القانونية الدولية تعني الأهلية القانونية الدولية ؟ ، أو بشكل أكثر بساطة هل يعني تمتع الدولة بالشخصية القانونية الدولية تمتعها بالأهلية القانونية الدولية.
    أن مراعاة الدقة هنا واجبة ، إذ إن القول بأن الشخصية القانونية تعني الأهلية القانونية هو قول  تعوزه الدقة وينقصه التحديد ، والحقيقة أن اكتساب الشخصية القانونية الدولية ، يعني اكتساب أهلية الوجوب دون أهلية الأداء ، أو أنها تمام أهلية الوجوب مع تمام أهلية الأداء أو أهلية الأداء لناقصة ، فالمؤكد إذن هو تمام أهلية الوجوب بمجرد اكتساب الشخصية القانونية الدولية ، باختصار شديد الشخصية القانونية تعني نصف الأهلية الدولية القابل للزيادة تبعا لتغير المركز القانوني  .
     والظاهر أن الاستقرار النسبي للوصف القانوني وما يحدثه من أثر في نشاط الشخص القانوني الذي سيتمتع به يجعل الوصف امتداد للشخصية القانونية وضابطا يميز طوائف الأشخاص القانونية بعضها من بعض في دائرة العلاقات القانونية ، ومعيارا لتحديد دائرة المخاطبين بأحكام القواعد القانونية ، وهذه الوسيلة الفنية ، وسيلة إطلاق الأوصاف القانونية الذاتية على الأشخاص القانونية  ليس لها في الدائرة الدولية شأن كبير ، كما هي الحال في الدائرة الداخلية ، ذلك لان عدد أشخاص القانون الدولي محدود ، ولان القواعد القانونية الدولية تنشأ بالتراضي بينهم فهي من صنعهم ، ولا تخاطب إلا من انشانها ، ويضاف إلى ذلك أن الغالبية العظمى للقواعد القانونية الدولية تتمتع بوصف الخصوصية في التطبيق ، بمعنى إن عملية إنشائها تتضمن في الوقت نفسه عملية تحديد دائرة الأشخاص المخاطبين بأحكامه فالحاجة إذن لا تدعو اللجوء إلى وسيلة إطلاق الأوصاف القانونية الذاتية لتحديد دائرة المخاطبين بأحكام نوع معين من القواعد القانونية ، إذ يكفي في هذا الصدد تحديد الأشخاص التي أنشأت أحكام هذا النوع من القواعد بالتراضي عليه فيما بينهم ([9]) .







الفصل الثاني
شروط الشخصية الدولية
يلزم لثبوت الشخصية الدولية توافر شرطين هما:
1-    القدرة على ممارسة بعض الحقوق والاختصاصات الدولية وفقا لأحكام القانون الدولي العام .
2-    القدرة على التعبير عن إرادة ذاتية في ميدان العلاقات الدولية ([10]) ، وفي إنشاء قواعد القانون الدولي ، وهذا الشرط يتفق مع الطبيعة الخاصة للقانون الدولي وهي إن الأشخاص المخاطبين بإحكامه هم  الذين يقومون بتكوين أحكامه أو قواعده وذلك عن طريق الاتفاقيات الدولية أو العرف الدولي ([11]) ، وإذا كان فقهاء القانون الداخلي يفرقون بين الشخصية الطبيعية الفرد ، والشخصية الاعتبارية ( تجمع الأموال ، تجمع الأشخاص) فيمكن القول إن الدولة هي الشخص الطبيعي للقانون الدولي العام القادر وبصورة جوهرية على التمتع بكافة الحقوق والالتزامات ، وان المنظمات الدولية هي أشخاص القانون الدولي العام الاعتبارية ذات المجال الوظيفي المحدد بالضرورة ، والحقيقة إن هذا الطابع الوظيفي للأشخاص الاعتبارية بصفة عامة ، من مسلمات النظرية العامة للقانون الداخلي ([12]) ، ولكن من المسلمات في القانون الدولي العام إن المجتمع الدولي مجتمعا مركبا يضم مجموعة من الأشخاص التي تتباين في مكانتها القانونية وشروط إنشائها ونطاق سلطاتها ، باختصار ، دورها في تفعيل الشخصية الدولية التي تتسم بها . فهو مجتمع يتكون من الدول والمنظمات الدولية على اختلاف أنواعها والاتحادات الدولية والأقاليم الدولية والفاتيكان ، ولا يمكن إن نتغاضى عن دور الفرد الذي بدأ يحظى بأهمية متزايدة تمكنه من التمتع بمزايا هذا القانون بوصفه فردا مستقلا وليس بوصفه من رعايا دولة معينة يتعذر عليه الفاعلية القانونية دون الركون إلى دولته .
  وتذهب المدرسة الايطالية من علماء القانون وعلى رأسهم مانشيني ([13]) وكذلك يميل جميع الفقهاء السوفيت إلى اعتبار الشعوب أشخاصا للقانون الدولي العام ، ويقول الفقيه (أوشاكوف): ( بما إن الأمم تدخل أطرافا في العلاقات الدولية المحددة ، لذا فهي تعتبر من ضمن أشخاص القانون الدولي ) ، غير أنهم اختلفوا في تحديد درجة نضوج الأمة لكي تعد شخصا قانونيا ، فالأستاذ تونكين يقول : إن الأمة المناضلة من أجل تكوين دولتها المستقلة هي شخص القانون الدولي العام حيث أنها تستطيع إن تكون دولتها المستقلة بسبب المقاومة التي تتلقاها من الدولة الاستعمارية ، بل هي في طريقها إلى ذلك ، فالأمة التي ستنشأ دولة في المستقبل ، هي شخص القانون الدولي العام ([14])، أما  الأستاذ ليفن فيرى بأن الأمم والشعوب هي أشخاص مبدأ حق تقرير المصير ، ثم يضيف بان الأمة لا يمكن إن تكون شخصا من أشخاص القانون الدولي العام إلا في ظل النظام القانوني الداخلي ، لان إطراف هذه العلاقة يكونون من الأشخاص ذوي الأهلية الكاملة أو الأهلية الناقصة ( أهلية الوجوب وأهلية الأداء ) ، أي إن الصغير غير المميز لا يتمتع بغير أهلية الوجوب ، أي قدرته في الحصول على الحقوق والامتيازات التي تمنح له بدون أن تترتب في ذمته أي التزامات ، ومثل الأمة التي لم تكون بعد أجهزتها التنفيذية كمثل الصغير في القانون المدني ، إذ إن انعدام قدرته على تحمل الالتزامات لا يؤثر على تمتعه بالشخصية القانونية غير الكاملة ، فانعدام أهلية الأداء لا تلغي شخصيته ، وهذا يعني إن انعدام الأجهزة التنفيذية لدى الأمة لا يؤثر إلا على الجانب التنفيذي المتعلق بالالتزامات الدولية والسبب في ذلك هو الوجود الاستعماري الذي عرقل نضوج التكوين السياسي ، إلا إن ذلك لا يمس قدرة الأمة في امتلاكها لحقوقها المتأتية من سيادتها على أراضيها وثرواتها القومية ، فأي تجاوز على هذه الحقوق يعد باطلا إذ إن قواعد القانون الدولي تحمي حقوق هذه الأمة نظرا لكونها شخصا من أشخاصه ، ولا يجوز للدول الأخرى التصرف بهذه الحقوق بل تبقى ملكا للأمم الخاضعة لدولة أخرى الممنوعة بالقوة من استثمار ثرواتها لصالح شعوبها . ويذهب الفقيه (بوبر وف ) إلى إن الأمم والشعوب أشخاصا كامنة للقانون الدولي العام ، ويضيف بان الأمة أو الشعب المناضل  من اجل تحرره يجب إن ينظر إليه من خلال عملية كفاحه من التبعية الأجنبية كشخص واقعي للقانون الدولي العام ([15]) .
       المسالة التي يجب مناقشتها هنا هي أنها إذا كانت شروط التمتع بالشخصية الدولية تنحصر في القدرة على التعبير عن إرادة ذاتية في ميدان العلاقات الدولية وكذلك القدرة على ممارسة بعض الحقوق والالتزامات ، وإذا كان أشخاص المجتمع الدولي يتسمون ابتداء بأنهم أشخاص في مجتمع مركب ، وإذا كان كل ذلك من البديهيات ، فالسؤال هنا : هل إن جميع من يمتلك هذه الشخصية القانونية الدولية ، أو بصيغة أخرى هل إن من تتوافر فيه القدرة على التعبير عن إرادة ذاتية والقدرة على ممارسة بعض الحقوق والاختصاصات ، يمتلك الأهلية القانونية ؟ وإذا كان امتلاك الأشخاص القانونية الدولية لهذه الشروط ( القدرة والتمتع ) بدرجة متساوية ، فهل إن درجة امتلاكهم للأهلية القانونية ستكون بذات المستوى أم إن درجة الأهلية ونظامها تتحدد بغض النظر عن المستوى الذي يتوافر فيه الشرطان ؟
     إن الإجابة على هذا السؤال ستشكل امتدادا لما سبق إن تم البدء بتوضيحه وهو تحديد الفرق بين الشخصية القانونية الدولية والأهلية القانونية الدولية ، والذي سيتضح هنا بصورة أكثر جلاء ، فالشخصية القانونية للدولة تؤهلها ( أي تمنحها الأهلية القانونية ) للتعبير عن إرادة ذاتية في ميدان العلاقات الدولية ، وتؤهلها أيضا للتمتع بالحقوق والاختصاصات التي يوفرها القانون الدولي ، وتمام الأهلية هنا ( أهلية الأداء وأهلية الوجوب ) مرتبط بتمام السيادة فكلما كانت تامة السيادة كلما كانت تامة الأهلية ولها إن تفعل ماهي عليه من مركز قانوني فتبرم ما تشاء من التصرفات وتتمتع بما تشاء من المزايا والاختصاصات الدولية ، ولعله الوضع المثالي لشخص معين من أشخاص القانون الدولي العام توافر فيه شرطا الشخصية الدولية وتمثلت فيه الأهلية بنوعيها ، وليس مرد ذلك كونه دولة ، بل لان شرطا الشخصية الدولية ونوعا الأهلية الدولية قد توافرت فيه ، وهذا يعني إن مصطلح الدولة قد يطلق على شخص من أشخاص القانون الدولي العام دون إن يمثل هذا الشخص المركز المثالي ، وليس مرد ذلك أيضا كونه دولة بل لأنه فقد اكتمال احد شرطي الشخصية الدولية أو احد نوعي الأهلية الدولية ، كأن تتوفر أهلية الوجوب دون أهلية الأداء ، أو يتوفر شرط القدرة على التمتع بالمزايا والاختصاصات الدولية دون شرط القدرة على التعبير عن إرادة ذاتية ، والحل في مثل هذه الظروف هو الرجوع إلى الوثيقة القانونية التي تحدد المركز القانوني للدولة ، والتي قد تكون وثيقة دولية ( معاهدة دولية ، صك انتداب ، قرار دولي ) أو وثيقة داخلية       ( دستور الدول الفيدرالية ) لنتبين ما الذي اقتطع  من شرطي الشخصية الدولية أو نوعي الأهلية الدولية أو ما الذي بقي منهما .
     ويبدو إن عدم الاكتمال ينصب هنا على الأهلية دون شرطي الشخصية الدولية وهو ينصب بالذات على أهلية الأداء دون أهلية الوجوب ، وقد يكون عدم الاكتمال منصب على أهلية  الأداء برمتها ، أو قد ينصب على جزء منها فيخل بتمام الأهلية الدولية ، ولا يتعداها إلى شرطي الشخصية الدولية .
     وهكذا وفي حالتين تناولنا المركز القانوني للدولة بوصفها شخصا من أشخاص القانون الدولي العام تبين في كلتا الحالتين إن شرطي الشخصية الدولية ثابتان ومستقران وان التغيير المحتمل قد يتناول الأهلية الدولية لها ، وبالأخص الأداء ، ففي الحالة الأولى ثبتت الشخصية الدولية بشرطيها وثبتت الأهلية الدولية بنوعيها وفي الحالة الثانية ثبتت الشخصية الدولية وتخلف احد نوعي الأهلية ( أهلية الأداء ) بغض النظر عن درجة هذا التخلف ، فالثابت هو الشخصية الدولية ، والمتغير هو الأهلية الدولية .
      ولكن الدكتور حامد سلطان يرى رأيا آخر ، فالشخصية عنده هي التعبير عن العلاقة التي تقوم بين وحدة معينة ونظام قانون محدد ، ويترتب على ذلك نتيجة مهمة ، وهي انه لا توجد في النظم القانونية أشخاص بطبيعتها ، وإنما توجد الأشخاص في هذه النظم بالقدر وفي الحدود التي يقررها كل نظام من هذه الانظمة عن طريق تعيين من له الاستمتااع بالحقوق فيها ومن عليه أداء الالتزامات في نطاقها ، (( أو بتعبير آخر عن طريق تعيين من له الأهلية القانونية ))([16]) ، وهذا يعني إن الأهلية القانونية تعني الشخصية القانونية دون إن نلمس اختلاف بينهم.
     وتعطي الشخصية القانونية للمنظمات الدولية مثالا يبرز الفرق بين الشخصية القانونية الدولية والأهلية القانونية الدولية ، فشروط الشخصية القانونية للمنظمات الدولية تنحصر في شروط ثلاثة وفق ما يراه جانب من الفقه وهي :
1-    إن تكون للمنظمة الدولية إرادة ذاتية مستقلة عن إرادات الدول الأعضاء ، و يتحقق وجود هذه الإرادة عن طريق المجلس المركزي التابع للمنظمة الذي يصدر قراراته بالإجماع أو بالأغلبية .
2-    إن يكون للمنظمة اختصاصات محددة ومعينة ، والميثاق المنشئ للمنظمة هو الذي ينص عادة على هذه الاختصاصات .
3-    إن تعترف الدول الأخرى صراحة أو ضمنا بالشخصية الدولية للمنظمة ، ويتحقق بقبول هذه الدول الدخول معها في علاقات دولية ([17]) .
لكن فريقا آخر من الفقه يضع شروطا مختلفة هي :
1-    الرجوع إلى ميثاق المنظمة والذي قد يضم نصوصا صريحة في هذا الخصوص ، مثال ذلك : مانصت عليه المادة السادسة من ميثاق الجماعة الأوربية للفحم والحديد من أنها تتمتع بالشخصية القانونية ، وإنها تتمتع بالعلاقات الدولية بالأهلية اللازمة للقيام بوظائفها وتحقيق أهدافها ، وكذلك تنص المادة 4 من النظام الأساس للمحكمة الجنائية الدولية سنة 1998 على (( تتمتع المحكمة بالشخصية القانونية الدولية )) .
2-    إن المنظمة تكتسب الشخصية القانونية إذا توافرت فيها عناصر أو خصائص معينة منها ، إن تكون مزودة بأجهزة لازمة لتحقيق إغراض ووظائف معينة باعتبار إن من أهم خصائص الشخصية وجود وظائف يمارسها الكائن المتمتع بها ويعمل على تحقيقها ، وان يكون للمنظمة إرادة ذاتية على أساس إن هذا العنصر هو الذي يحقق نوعا من الانفصال بين شخصية المنظمة وشخصية الدول أعضائها ، وان يكون للمنظمة بعض الصلاحيات الدولية كإبرام المعاهدات أو تبادل التمثيل الدبلوماسي مع غيرها من الكائنات وتحملها لتبعة المسؤولية ... الخ .
3-    ويتمثل في العلاقة بين الشخصية والنظام القانوني القائم ، فالشخصية ما هي إلا علاقة بين كائن ما ونظام قانوني معين ، وهكذا فأن شخص ما يتمتع بالشخصية القانونية في نظام قانوني معين ، إذا كان من المخاطبين بأحكام هذا النظام القانوني ، وتتمثل أهم ملامح ذلك في إمكانية إنشاء قواعد قانونية معها تكون محكومة بقواعد ذلك النظام القانوني وعلى ذلك فإذا اقتصرت منظمة ما على التعامل في إطار القانون الداخلي لدولة ما أو مجموعة من الدول فأنها ستكون شخصا من أشخاص القانون الداخلي ولا يمكن اعتبارها منظمة دولية ([18]).    
     إن اختلاف كلا الفريقين في تحديد شروط الشخصية الدولية من جهة ووضع شروط تختلف عن الشروط المحددة أصلا للشخصية القانونية للدولة من جهة أخرى مرده فيما يبدو اعتبارات عملية قائمة على :
1-    الشخصية القانونية للمنظمة الدولية قائمة على اعتبارات عملية ، وان الفكرة الفلسفية لعبت دورا محدودا في تأسيس هذه المنظمات إذ إن نشاطها كان يتناول جانب من النشاط التقني للدول المشاركة ، فهي منظمات تأسست بحكم حاجات الدول التي انخرطت فيها وذلك لتنسيق سياساتها في ميادين معينة ، وقد ساعد تطور التجارة الدولية والمواصلات على ظهور هذه المنظمات الدولية ذات الطابع التقني ([19]) ،
2-    لا تنص مواثيق اغلب المنظمات الدولية على منح هذه الأخيرة سلطات محددة لإبرام المعاهدات مثلا ، غير انه لما كان من المتعذر على أي ميثاق من مواثيق المنظمات الدولية إن يحيط بكافة الأحكام التفصيلية المتعلقة بممارسة هذه المنظمات لاختصاصاتها وأسلوبها ، وفي هذا الصدد ، وتحقيقا للأهداف التي أنشئت من اجل تحقيقها ، فقد ظهرت في الفقه نظرية السلطات الضمنية ، والتي يعود مؤداها إلى أن المنظمات الدولية تستطيع إن تمارس أي اختصاص يلزم لتحقيق أهدافها ، حتى لو لم يكن منصوص عليه صراحة في ميثاق المنظمة ([20])
3-    التقارير الواردة من الأمناء العامين للمنظمات الدولية تكشف عن إن تمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية الدولية لايثير أي مشاكل ، ولكن المشاكل تظهر أثناء أداء تلك المنظمات ، أي عندما تحاول هذه المؤسسات ممارسة سلطاتها واختصاصاتها وقدرتها على التعبير عن إرادة ذاتية ( الأهلية ) .
    فقد ورد في تعليق الأمين العام للأمم المتحدة عن الدور الذي تقدم به هذه الهيئة الدولية العامة حيث يقول : (( وإذا ما أخذنا الميثاق ككل لوجدنا انه لا يسبغ على الأمم المتحدة أي صفة من الصفات التي تجعل منها دولة عليا فوق الدول )) و (( حري بنا إن ندرك الأمم المتحدة على حقيقتها فهي أداة للأمم ، معترف بعدم كمالها ، ولكنها ضرورية للعمل على إيجاد تطور سلمي نحو إقامة نظام عالمي اعدل وأوطد )) وعلى ذلك يكون وضع الهيئات الدولية التي يكون لها كيان قائم بذاته في عداد أشخاص القانون الدولي العام أمر لا يتفق مع طبيعة هذه الهيئات ويكون الصحيح حينئذ إن هذه الهيئات تشغل مكانها في المحيط الدولي (( بوصفها مؤسسات ذات أهلية قانونية خاصة ، لا أكثر ولا أقل )) ([21])  .
    ويبدو إن المقصود بالأهلية الخاصة هنا ، هي أنها أهلية غير مكتملة أو ناقصة أو أهلية محددة أو وظيفية ، وكل هذه المصطلحات تدل على إن المنظمات الدولية تتمتع بالشخصية الدولية ، أو بالأحرى بشرطي الشخصية الدولية ( القدرة على التعبير عن إرادة ذاتية والقدرة على ممارسة الاختصاصات الدولية ) ، ولكنها لا تتمتع بنوعي الأهلية ( أهلية الوجوب ، وأهلية الأداء ) ، أو هي تتمتع بأهلية الوجوب كاملة وأهلية أداء منقوصة محددة بالغرض الذي من أجله أنشأت المنظمة ، فكلما كان التصرف القانوني الصادر منها يتسق مع الهدف من إنشائها كلما كان هذا التصرف يعتد به قانونا ، وكلما أصدرت تصرفا لا يمت بصلة إلى الهدف من إنشائها كان تصرفها باطلا أو معدوما ، لأنه صدر من غير ذي أهل .
     فالنقاش إذن لا يدور حول مدى توافر شرطي الشخصية القانونية في المنظمات ، فهما شرطان متوافران ، ولكن الجدل يثور حول مدى تمتع المنظمة الدولية بالأهلية القانونية الدولية ونطاق هذه الأهلية .
     المسالة الأخرى الجديرة بالنقاش هي هل إن الأهلية الدولية ( الوظيفة المحددة ) إذا ما انعقدت للمنظمة الدولية قابلة للتطور ؟ وإذا ما كانت قابلة للتطور ، فهل إن أداة هذا التطور هي الممارسة أم النصوص ؟
    لنأخذ نطاق المسؤولية الدولية كمثال ، مع الإقرار بأن المسؤولية الدولية كانت ولا تزال واحدة من الحجج التي يستند إليها أصحاب النظرية التي تنكر على المنظمة الدولية وصف الشخصية القانونية .
     يولد خرق الدولة للقانون الدولي بعض الروابط القانونية ، فمن هم الإطراف في هذه الرابطة ؟ وبمعنى آخر، من هم أصحاب الحقوق والالتزامات المتولدة من مخالفة القواعد القانونية . في القانون الدولي القديم ، لم تكن الروابط القانونية المترتبة على مخالفة قواعد القانون الدولي تقوم إلا بين الدولة المخالفة والدولة التي انتهك حقها بسبب الإعمال غير المشروعة التي اقترفتها الدولة الأولى ، ويستند انريلوتي إلى إن القانون الدولي إنما يحكم العلاقات بين وحدات ذات سيادة ، فيقرر انه ليس في مقدور أية دولة إن تنصب نفسها حكما في موضوع خرق دولة أخرى للقانون الدولي ، إلا إذا وقع ضرر بحقوقها من جراء هذا العمل ، وكتب يقول : (( ليس من حق الدول ولا واجبها إن تقمع أعمال العدوان الواقعة على قواعد القانون الدولي في حد ذاتها ، ولكنها تستطيع فقط إن تدفع الإعمال الموجهة ضدها مباشرة )) ، وفي هذه الحالة تستطيع الدولة الضحية إن تتصرف ضد الدولة المخالفة ، لا لإجبارها على احترام القواعد القانونية المعتدى عليها . وإنما فقط لتحقيق مصلحتها الذاتية التي أهدرت بالمخالفة للقانون ، والحقيقة إن انزيلوتي يقر بمصلحة الدول كلها باحترام قواعد القانون الدولي ، وبإمكانية التدخل الجماعي ضد الدولة المخالفة ، وإنما ليس بموجب دوافع قانونية ، وهذا المفهوم الظاهر الجمود يعتنقه كذلك في الوقت الحاضر أغلبية فقهاء القانون الدولي البرجوازيين .
       وكتب روسو (( المسؤولية الدولية ، حسب الفقه السائد ، عموما هي علاقة بين دولة وأخرى )) ويقول في شرحه هذا المبدأ إن هذه المسؤولية (( تفترض إن الدولة تشكو من ضرر وقع بها وتطالب بالتعويض )) ، ويذكر الأستاذ فيرد روس ، إن العلاقات القانونية المترتبة على المسؤولية الدولية تهم الدولة المعتدية كما تهم الدولة التي وقع عليها الضرر ، ويقول (( هذه المسؤولية لا تترتب في الأصل إلا للدول التي كانت ضحية مباشرة للإعمال المخالفة للقانون الدولي  ، ومن ثم فأنه عند حدوث اعتداء على قواعد القانون الدولي أو معاهدة جماعية ، لايمكن في الأصل للدول التي وقع بها ضرر من جراء خرق قواعد القانون الدولي ، إن تتدخل وحدها في هذا الشأن ، وأن وجود مصالح خيالية بحتة لدى دول أخرى تستهدف الحفاظ على نظام القانون الدولي ، لهو باعث غير كاف لتقديم أي دعوى )) ، وجرى التعبير بالمثل عن هذا المفهوم في بعض الأحكام التي أصدرتها محكمة العدل الدولية ، وعلى الأخص الحكم الذي أصدرته المحكمة في (( قضية الفوسفات المراكشي )) وعلى نحو مقارب يرى هفتر إن هناك بعض ضروب الاعتداء على قواعد القانون الدولي تهم بالمثل جميع الدول ، وتتيح لها جميعا بصفة قانونية إن تتخذ تدابير ضد الدول المعتدية ([22]). وهكذا فجميع الفقهاء يقرون ويدافعون عن إن نظام المسؤولية الدولية لا يقوم إلا بين الدول حصرا أو كان ذلك من المسلمات في القانون الدولي العام .
       ولكن القانون الدولي المعاصر اعترف ومنذ عام 1949 ، واثر الفتوى الصادرة من محكمة العدل الدولية في قضية مقتل الكونت برنادوت بحق المنظمة الدولية إن تكون طرفا في المسؤولية الدولية سلبا أو إيجابا ، وهكذا في نطاق نظام قانوني لم يتسم بكونه جزءا من القانون الدولي المقنن ، بعد ، لاحظنا إن هناك تحولا ليس على صعيد أقرار الشخصية القانونية للمنظمة الدولية ، فهي قائمة في لحظة إنشائها ، ولكن اتساعا في نطاق أهلية الأداء المميزة بأنها وظيفية ومحددة وقد حدث عن طريقة الممارسة وليس النصوص ، ولعل الجزم بان أي توسيع في نطاق الأهلية الدولية للمنظمات الدولية لا يمكن إن يحدث إلا على سبيل الممارسة امرأ مقبولا ،  لأنه لا يمكن لأي ميثاق ينشئ منظمة دولية إن يتنبأ بحدود ممارستها أهليتها ابتداء ، وان يضع بالتالي النصوص التي توضح هذه الحدود ولعل المثال أعلاه يوضح ذلك بجلاء ، فميثاق المنظمة وضع سنة 1945 ولم يمضي أكثر من أربع سنوات حتى احتاجت لتمد من نطاق أهليتها المحدودة ، فتشمل ميدان المسؤولية الدولية ، كما أن المحكمة نفسها التي أفتت بحق المنظمة الدولية في إن تكون طرفا في المسؤولية الدولية ، عادت فسلمت في عام 1962 بحق المنظمة الدولية بإبرام المعاهدات الدولية .
    وهكذا فالممارسة وحدها هي التي أخذت على عاتقها تعديل نطاق أهلية المنظمات الدولية أو بالأحرى توسيع نطاق أهلية تلك المنظمات .










خلاصة الباب الاول
ليست الشخصية القانونية الدولية إلا إعلان وجود وشهادة ميلاد لشخص معين وفي نطاق قانوني معين ، ليتولى هذا النظام فيما بعد تحديد الاختصاصات والامتيازات التي يحظى بها هذا الشخص ، ويتولى أيضا تحديد قدرته على التعبير عن إرادة ذاتية في نطاق التعامل مع الكائنات التي تتقاسم الوجود في ظل هذا النظام ، أو مع كائنات قانونية أخرى خارج هذا النظام.
     وليست الأهلية القانونية الدولية سوى إيذانا وتحديدا لتفعيل هذه الشخصية تحديدا قد يصل الدرجة المثالية وهو المركز القانوني الذي تحظى الدول دون سواها ، فهي الشخص الوحيد الذي قد يتسنى له الجمع بين شرطي الشخصية الدولية ونوعي الأهلية ( الأداء والوجوب ) وإذا كان هذا هو الوضع المثالي للدولة فأن الدول قد تشهد وضعا آخر يتخلف فيه احد نوعي الأهلية القانونية وقد يكون هذا التخلف كلي أو جزئي .
     إن الدراسة المتأنية والسريعة في ذات الوقت لموضوع الشخصية الدولية والأهلية الدولية والاطلاع على معايير ومحاولة تطبيق هذه المعايير على الأشخاص الدولية الأخرى غير الدولة توصل إلى جملة من الاستنتاجات أهمها :
 1- إن الشخصية الدولية ثابتة غير قابلة للتجزئة أو الانتقاص ، فالدولة مثلا تنشا شخصيتها الدولية بمجرد اكتمال أركانها الثلاثة ، ولا تقوم هذه الشخصية إذا تخلف ركن من أركانها ، في حين ان الأهلية الدولية متغيرة ، وينحصر دورها في تفعيل الشخصية القانونية الموجودة فعلا وليس لها علاقة إطلاقا بأركان الدولة كما انه لا يشترط فيها التمام فقد تظهر بنوعيها ( الأداء والوجوب )    ، وقد تظهر أهلية الوجوب دون أهلية الأداء ، وقد تظهر أهلية الأداء ولكنها مقيدة .
2- إن الجدل الفقهي الدائر حول عدم تمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية يتركز حول أهلية الأداء للمنظمة أكثر من تركيزه على الشخصية القانونية ، فالشخصية القانونية ثابتة للمنظمة الدولية ، ولكن المشكلة تكمن في عدم اكتمال الأهلية الدولية ، أو باختصار أهلية أداء غير مكتملة .
3- إن أهلية أداء المنظمات الدولية في اتساع مستمر وان أساس هذا التطور هو الممارسة الدولية وليس نصوص المواثيق التي أنشأت تلك المنظمات .
4- إن الخلط بين مفهوم الشخصية الدولية والأهلية الدولية هو خلط غير مبرر وغير مقبول لاختلاف كلا منهما اختلافا جذريا عن الآخر .















هوامش الباب الاول



([1]) - د . السيد ، مصطفى احمد ابو الخير ، المبادئ العامة في القانون الدولي المعاصر ، ط1 ، ايترك للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2006 ، ص : 140 .
([2]) - د . حسن الجلبي ، أصول القانون الدولي العام ، بغداد ، 1972 ، ص :173 .
([3]) - د. عمر حسن عدس ، مبادئ القانون الدولي العام المعاصر ، القاهرة ، 1997 ، ص : 72
([4]) - د . حسن الجلبي ، مصدر سابق   ، ص : 175 .
([5]) - د . علي ابراهيم ، المنظمات الدولية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1999 ، ص : 319 .
([6]) - د. نبيل احمد حلمي ، محاضرات في المنظمات الدولية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1990 ، ص : 248 . انظر كذلك :
    - د. محمد حافظ غانم ، مبادئ القانون الدولي العام ، دار النهضة العربية ، ط1 ، القاهرة ، 1971 ، ص : 155 ، حيث ورد تعريفا مشابها .
([7]) - د . محمد سامي عبد الحميد ، التنظيم الدولي ، دار المعارف ، الاسكندرية ، 2000 ، ص : 266 .
([8]) - د . محمد طلعت الغنيمي ، الغنيمي في قانون السلام ، دار المعارف ، الاسكندرية ، 1973 ، ص : 494 .
([9]) - د. حامد سلطان ود. عائشة راتب ، القانون الدولي العام ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1987 ، ص : 113 .
([10]) - استاذنا د . عصام العطية ، القانون الدولي العام ، ط6 ، وزارة التعليم العالي ، بدون سنة طبع ، ص : 291 .
([11]) - د. حامد سلطان ، وعائشة راتب ، مصدر سبق ذكره ، ص : 47 .
([12]) - د. محمد سامي عبد الحميد ، اصول القانون الدولي العام ، الجماعة الدولية ، ج1 ، ط2 ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، الاسكندرية ، 1980 ، ص : 238 .
([13]) - نفس المصدر ، ص : 80 .
([14]) - ج . أ تونكين ، القانون الدولي العام ، قضايا نظرية ، ترجمة : احمد رضا ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1972 ، ص : 38 .
([15]) - د. حكمت شبر ، القانون القانون الدولي العام ، مطبعة دار السلام ، بغداد ، 1975 ، ص : 172 -174 . .
([16]) - د. حامد سلطان و د. عائشة راتب ، مصدر سبق ذكره ، ص : 50 .
([17]) - د. محمد المجذوب ، القانون الدولي العام ، ط6 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، ص : 359 .
([18]) - د. احمد ابو الوفا ، الوسيط في قانون المنظمات ، ط 4 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1996 ، ص : 47 .
([19]) - د . غازي حسن صباريني ، الوجيز في القانون الدولي العام ، ط1 ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2007 ، ص :150 .
([20]) - د. سامي عبد الحميد ، القانون الدولي العام ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، 2004 ، ص : 15 .
([21]) - د. علي صادق ابو هيف ، القانون الدولي العام ، منشاة المعارف ، الاسكندرية ، بدون سنة طبع ، ص : 236 .
([22]) - ج . أ . تونكين ، مصدر سبق ذكره ، ص : 281 . انظر كذلك :
-          د . احمد ابو الوفا ، كتاب الاعلام بقواعد القانون الدولي  والعلاقات الدولية في شريعة الاسلام ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ط2 ، 2007 ، ص : 12 .





















مصادر الباب الاول
1- د. احمد ابو الوفا ، الوسيط في قانون المنظمات ، ط 4 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1996 .
2- د . احمد ابو الوفا ، كتاب الاعلام بقواعد القانون الدولي  والعلاقات الدولية في شريعة الاسلام ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، ط2 ، 2007 .
3- د. حامد سلطان ود. عائشة راتب ، القانون الدولي العام ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1987 .
4- د . حسن الجلبي ، أصول القانون الدولي العام ، بغداد ، 1972 .
5- د. حكمت شبر ، القانون القانون الدولي العام ، مطبعة دار السلام ، بغداد ، 1975 .
6- د. سامي عبد الحميد ، القانون الدولي العام ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، 2004 .
7 - د . السيد ، مصطفى احمد ابو الخير ، المبادئ العامة في القانون الدولي المعاصر ، ط1 ، ايترك للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة ، 2006 .
8- ج . أ تونكين ، القانون الدولي العام ، قضايا نظرية ، ترجمة : احمد رضا ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1972 .
9- د . علي ابراهيم ، المنظمات الدولية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1999 .
10 - د. علي صادق ابو هيف ، القانون الدولي العام ، منشاة المعارف ، الاسكندرية ، بدون سنة طبع .
11- أستاذنا د . عصام العطية ، القانون الدولي العام ، ط6 ، وزارة التعليم العالي ، بدون سنة طبع.
12 - د. عمر حسن عدس ، مبادئ القانون الدولي العام المعاصر ، القاهرة ، 1997 .
13 - د . غازي حسن صباريني ، الوجيز في القانون الدولي العام ، ط1 ، دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، 2007.
14 - د. محمد حافظ غانم ، مبادئ القانون الدولي العام ، دار النهضة العربية ، ط1 ، القاهرة ، 1971 .
15 - د . محمد سامي عبد الحميد ، التنظيم الدولي ، دار المعارف ، الاسكندرية ، 2000 .
16 – د. محمد سامي عبد الحميد ، أصول القانون الدولي العام ، الجماعة الدولية ، ج1 ، ط2 ، مؤسسة الثقافة الجامعية ، الاسكندرية ، 1980 .
17 - د . محمد طلعت الغنيمي ، الغنيمي في قانون السلام ، دار المعارف ، الاسكندرية ، 1973 .
18 - د. محمد المجذوب ، القانون الدولي العام ، ط6 ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، ص : 359 .
19 - د. نبيل احمد حلمي ، محاضرات في المنظمات الدولية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1990 . 

تعليقات