القائمة الرئيسية

الصفحات



البيع في مرض الموت.




بيع في مرض موت

sale during the illness of death - vente sur son lit de mort


 عقد البيع
البيع في مرض الموت
محمود جلال

 
وضع المشرع السوري القواعد الخاصة ببيع المريض مرض الموت Sale during the incurable Illness  في المواد (445، 446) والمادة (877) من القانون المدني، وهي قواعد مستقاة من الفقه الإسلامي الذي عد أن حماية الورثة في هذه الفترة تتطلب حجر المريض عن التبرعات إذا زادت قيمتها على ثلث التركة. فإذا تبرع المريض وهو في مرض الموت بأكثر من ثلث التركة كان تبرعه صحيحاً نافذاً في الثلث، أما ما زاد على الثلث فلا يكون نافذاً إلا إذا أجازه الورثة؛ ذلك لأن هذا التبرع يمس حقوقهم، فإذا أجازه الورثة نفذ، وإذا ردوه بطل القسم الزائد.




1. مفهوم مرض الموت: الأصل أن الإنسان حر في التصرف بأمواله بيعاً وهبةً ووصيةً، وغيرها من التصرفات القانونية مادام أهلاً لها.
بيد أن مرضاً قد يصيب هذا الإنسان فيقعده عن قضاء حاجاته ومتابعة أعماله وإدارة ممتلكاته، فتوشك ذمته المالية على الانتهاء، ويظهر شبح الموت متجهاً نحوه، قادماً لإنهاء حياته، وتبدأ الأنظار تتجه إلى ثروته، ويبدأ تعلق حق الغير بهذه الثروة؛ سواء كان هذا الغير دائناً أم وارثاً. ويجد الإنسان نفسه تاركاً الحياة لا محالة، فيقبل على التوبة، وتتزين أمامه طرق الإحسان والبر، فيتصرف بأمواله هبة أو تبرعاً أو وصية بطريقة لا يقدم فيها على هذا التصرف لو لم يكن مريضاً، مما يجعل تبرعاته المنجزة حال حياته وسيلة لستر الوصيةوالخروج على أحكامها بمحاباة بعض ورثته أو تفضيل بعضهم على بعض، أو الايصاء لأجنبي بما يفوق الحد الجائز شرعاً، وقد يسرف في ذلك، فيضار من تصرفه من تعلق حقه بهذه الأموال، فجاءت المبادئ المقررة في الفقه الإسلامي لتضع حدوداً لتصرفات الإنسان في هذه الحالة، ولتحقق العدالة بين الجميع بحيث لا يضار أحد ولا تنتقص حقوق أحد، وتحقق للمتصرف غاياته النبيلة ضمن حدود مرسومة ودقيقة، فأتاحت للمرء أن يوصي بثلث ماله، وعدّت أن كل تبرع يقدم عليه ويضيفه إلى ما بعد الموت، وكل تبرع يقوم به وهو في مرض الموت في حكم الوصية يجب أن يتقيد بحدود الثلث من التركة، ولو لم يسمه وصية. فإذا زاد تصرفه على الثلث كان تصرفه صحيحاً ونافذاً في حدود الثلث. ولا تكون الزيادة نافذة إلا إذا وافق عليها الورثة وأجازوها. كما قررت أن كل معاوضة تخفي وراءَها تبرعاً، يطبق عليها حكم التبرع، وتكون مضافة إلى ما بعد الموت، فتأخذ حكم الوصية، كما لو باع المريض مرض الموت شيئاً بثمن بخس.
وقد راعى القانون المدني السوري الأحكام المقررة في الفقه الإسلامي وقرر القواعد العامة لتصرفات المريض مرض الموت في المواد المشار إليها اعلاه.
2 ـ تعريف مرض الموت: لتعريف مرض الموت لا بد من تعريف المرض أولاً، وتعريف الموت ثانياً، وتعريف البيع أخيراً.
أ ـ تعريف المرض: عرف الفقهاء المرض تعاريف مختلفة ولكنها وإن اختلفت في ألفاظها، بيد أنها متفقة في معانيها، فهي متفقة على أن المرض حالة غير طبيعية تطرأ على الإنسان فتجعله في حالة ليست هي الأصل، وعرّفه الأطباء بأنه خروج الجسم عن حالة الاعتدال التي تعني قيام أعضاء الجسم بوظائفها المعتادة، مما يعوق الإنسان عن ممارسة أنشطته الجسدية والعقلية والنفسية بصورة طبيعية، ولعل أدق التعاريف هو أن المرض علة تصيب البدن فتخرجه عن حالة الاعتدال الخاص، ويترتب عليها نقصان القوة واختلال الطبيعة، والمريض من كانت به تلك العلة.
ب ـ تعريف الموت: هو مغادرة الروح جسد الإنسان، ويتحدد بتوقف القلب نهائياً عن النبض والرئتين عن التنفس، ويترتب على ذلك حرمان المخ وسائر الأعضاء مما يلزمها من الدم.
ج ـ تعريف البيع: عرف القانون المدني السوري البيع فقال:
"البيع عقد يلتزم به البائع أن ينقل إلى المشتري ملكية شيء أو حقاً مالياً آخر مقابل ثمن نقدي"، وهو تعريف جعل نقل ملكية المبيع إلى المشتري التزاماً يقع على عاتق البائع يجب أن يقوم به، فالبيع عقد من عقود نقل ملكية الأشياء والحقوق المالية إلى المشتري، وهو من عقود المعاوضة، فكل من المتعاقدين يتلقى عوضاً عن الشيء الذي يعطيه للآخر، فالبائع يتلقى الثمن من المشتري، والمشتري يتلقى عوضاً عن الثمن.
د ـ تعريف مرض الموت: لم يعرف القانون المدني السوري ولا القانون المدني المصري مرض الموت، في حين عرفه رجال الفقه الإسلامي تعريفات مختلفة غير أنها تصب جميعها في معين واحد، وعرفته مجلة الأحكام العدلية بأنه المرض الذي يعجز فيه الإنسان عن رؤية مصالحة الخارجية عن داره إن كان من الذكور، ويعجز عن رؤية مصالحة الداخلية في داره إن كان من الإناث، والذي يكون فيه خوف الموت في الأكثر، ويموت على تلك الحال قبل مرور سنة ملازماً الفراش أو لم يكن.
وإن امتد مرضه دائماً على حال ومضى عليه سنة يكون في حكم الصحيح ما لم يشتد مرضه ويتغير حاله. أما إذا امتد مرضه وتغير حاله وتوفي قبل مضي سنة؛ فيعد مرضه بدءاً من وقت التغيير إلى الوفاة مرض الموت.
بيد أن تساؤلاً يطرحه بعض رجال القانون: هل يكفي لاعتبار المريض في مرض الموت خوفه من الموت الذي سيداهمه عاجلاً أو آجلاً من مرض يعلم أنه لا ينجو منه أحدٌ غالباً، على الرغم من أنه يواجه الحياة من دون أن يقعده المرض عن أداء حاجاته، أو يكفي قعوده عن قضاء حاجاته المعتادة خارج المنزل حتى يعد في مرض الموت؟
وقد أجيب عن هذا التساؤل بإجابات مختلفة، فمنهم من قال يكفي أن يغلب في المرض خوف الموت من دون حاجة إلى قعود المريض عن قضاء مصالحه، ومنهم من قال بالفرضين معاً، ولكنه يجعل الأصل هو أن يغلب في المرض الخوف من الموت، أما قعود المريض عن أداء حاجاته والقيام بمصالحه؛ فهي العلامة المادية التي يشعر المريض أن المرض يتهدده بالموت.
وقد أشار الدكتور السنهوري في كتابه الوسيط إلى أن بعض الفقه قد وفق بين الرأيين فقال: إذا كان المريض يعلم بأن به مرضاً مهلكاً غالباً وهو يتزايد إلى الموت قبل مرور سنة؛ فإن خوفه من الموت هو المعتبر لاعتباره في مرض الموت، وإن كان لا يعلم بأن ما به من مرض وهو مرض مهلك؛ فإن قعوده عن أداء مصالحه وحاجاته بنفسه هو المعتبر لاعتباره في مرض الموت.
لذلك اشترط الفقهاء في مرض الموت شروطاً ثلاثة هي:
1 ـ أن يجعل المرض صاحبه عاجزاً عن القيام بأعماله المعتادة رجلاً كان أو امرأة: سواء مات المريض بسبب المرض أم بسبب طارئ، فإذا عاد إلى قضاء حاجاته وخرج إلى عمله ولو لفترة قصيرة لا يعدّ في مرض الموت، وعُدّت تصرفاته صحيحة نافذة لأنها صادرة عن إنسان سليم، فإذا عاد إليه المرض ولم يعد المريض قادراً على قضاء حاجاته، وبدا الإنهاك يبدو عليه ويتزايد ببطء حتى اتصل به الموت؛ كان في مرض موت. وهكذا إذا وقف المرض عند حالة معينة من دون تزايد كان كالأصحاء تماماً، فإذا عاد المرض واشتد؛ عدّ من تاريخ اشتداده في مرض الموت.
2 ـ أن يكون المرض مما يغلب فيه الهلاك ويسيطر على المريض خوف الموت:والأمراض التي يغلب فيها الهلاك هي الأمراض الخطرة. غير أن بعض الأمراض تبدأ بسيطة ثم تتفاقم وتشتد وتتطور فيخشى المريض على نفسه من الموت، فيكون حينئذ في مرض الموت. ومن الأمراض ما يمتد ويطول ويزداد يوماً بعد يوم كالسرطان والسل والفالج حتى يتصل به الموت، فهو مرض موت ولو دام أعواماً.
3 ـ أن يموت المريض خلال سنة من بدء المرض: سواء كان الموت بسبب المرض ذاته أم كان بسبب آخر، كأن يسقط فوق المريض شيء فيقضي عليه، أو يسقط المريض في حفرة فيموت، أو أن يموت بأي سبب طارئ آخر، فإنه خلال الفترة الزمنية الواقعة بين بدء المرض إلى الموت يعد المرء في مرض الموت. فإذا برئ من مرضه وكان قد تصرف في ماله خلال مرضه؛ كان تصرفه تصرف الصحيح، فلا مجال للطعن به، فإذا عاد واشتد واتصل به الموت؛ كان المريض في مرض الموت منذ اشتداد العلة عليه كما اتضح ذلك سابقاً.
وبناءً على ما تقدم فالتعريف المنتقى لمرض الموت هو: المرض الذي يعجز فيه الإنسان عن متابعة أعماله المعتادة خارج البيت، وتعجز المرأة عن أعمالها المعتادة داخل البيت، ويستولي على نفسه الخوف من الموت، ويموت على تلك الحال قبل مرور سنة، سواء أمات الشخص بسبب المرض أم بسبب آخر طارئ خلال ذلك. وقد ألحق فقهاء الشريعة الإسلامية بمرض الموت جميع الحالات التي يغلب فيها الهلاك، كمن حكم عليه بالإعدام وقُدم لتنفيذ الحكم، أو الراكب في سفينة مشرفة على الغرق ولو لم يكن مصاباً بمرض، وحالة من وقع في الأسر بين يدي قوم من عادتهم قتل الأسرى، وحالة من ظهر الطاعون في بلده ولو لم يكن مصاباً، وحالة الحامل التي جاءها المخاض. وتعليل ذلك أن هؤلاء جميعاً يخافون على أنفسهم من الهلاك مما هم فيه، وإن كانوا من الأصحاء.
1. أثر مرض الموت في تبرعات المريض وهباته: عندما يبلغ الإنسان سناً معينة ويصيبه المرض ويشعر بدنو أجله واقتراب رحيله عن الدنيا؛ تتغير حالته النفسية، ويرى الموت قريباً منه، فترق عواطفه، وتضطرب أحاسيسه، وينصرف إلى الله صلاة وعبادة، فيتصرف بأمواله تبرعاً وهبة متقرباً إلى الله سبحانه فيوقع الضرر بورثته أو بدائنيه بقصد أو من دون قصد، كأن يهب أمواله كلها أو بعضاً منها إلى الجمعيات الإنسانية والخيرية أو لشخص أو عدة أشخاص، وقد يسرف في ذلك معتقداً أن أعمال البر هذه تشفع له عند وقوفه بين يدي ربه ويكفر بها عن خطاياه في الحياة الدنيا، فيتجاوز حقوق ورثته أو حقوق دائنيه. ومما لا شك فيه أن حماية حقوق الدائنين وحماية حقوق الورثة؛ أولى من حماية حقوق الموهوب لهم. لذلك قيد المشرع تصرفات هذا المريض وجعلها مضافة إلى ما بعد الموت وتسري عليها أحكام الوصية، فقد ورد في المادة (877) مدني سوري:
"كل عمل قانوني يصدر من شخص في مرض الموت ويكون مقصوداً به التبرع، يعتبر تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت، وتسري عليه أحكام الوصية، أياً كانت التسمية التي تعطى لهذا التصرف".
ومن أهم التصرفات التي قد يقوم بها المريض في مرض موته؛ هو البيع، فما هو أثر مرض الموت فيه؟
2 ـ أثر مرض الموت في البيع الذي يعقده المريض: للمرء أن يتصرف بأمواله حال حياته على النحو الذي يريد، وهذا هو الأصل، فتقييد حرية المريض في تصرفاته القانونية يكون لمصلحة ورثته ولمصلحة دائنيه؛ لأنهم يصبحون هم أصحاب الحق في هذه الأموال بعد وفاته، فإذا باع المرء حال حياته وهو سليم بعض ماله بثمنه الحقيقي أو بأقل منه؛ كان بيعه صحيحاً، أما إذا كان بيعه في مرض الموت فإن الأمر يختلف وتسري عليه أحكام المادة (445) مدني سوري التي تنص على ما يأتي:
1 ـ إذا باع المريض مرض الموت لوارث أو لغير وارث بثمن يقل عن قيمة المبيع وقت الموت؛ فإن البيع يسري في حق الورثة إذا كانت زيادة قيمة المبيع على الثمن لا تجاوز ثلث التركة داخلاً فيها المبيع ذاته.
2 ـ أما إذا كانت هذه الزيادة تجاوز ثلث التركة؛ فإن البيع فيما يجاوز الثلث لا يسري في حق الورثة إلا إذا أقروه أو رد المشتري للتركة ما يفي بتكملة الثلثين".
أ ـ بيع المريض مرض الموت لوارث أو لأجنبي من دون محاباة: الوارث المقصود هنا من كان وارثاً عند وفاة المورث. فإذا كان وارثاً قبل الوفاة، وأضحى غير وارث بعدها  ـ كأن يحجبه غيره عن الإرث  ـ أصبح كالأجنبي. وإذا كان غير وارث قبل الوفاة بسبب حجبه فزال السبب بعد الوفاة؛ أصبح وارثاً وتطبق عليه أحكام المادة (445) مدني سوري السابقة الذكر. فإذا باع المريض مرض الموت لوارث أو لغير وارث بثمن يعادل ثمن المثل من دون أن يقل عن قيمة المبيع؛ كان بيعه صحيحاً نافذا مهما بلغ مقدار المبيع، وقد علل رجال القانون ذلك، بأن الشخص محجور عليه في مرض الموت عن التبرعات والهبات وما شابهها لا عن المعاوضات.
ب ـ بيع المريض مرض الموت لوارث أو لأجنبي بمحاباة: إذا باع المريض مرض الموت لوارث أو لأجنبي بثمن يقل عن قيمة المبيع، فالفرق بينهما يعد وصية مضافة إلى ما بعد الموت، إذا كان الفرق بينهما يتجاوز ثلث التركة بما فيها المبيع ذاته ولا ينفذ على الورثة إلا إذا أجازوه بعد موت المورث؛ أو أن يرد المشتري إلى التركة تتمة الثلثين، فإن لم يتجاوز الفرق بينهما ثلث التركة؛ فتصرف المريض يكون نافذاً لأن تبرع المريض أو محاباته للمشتري لا ينفذ إلا بحدود ثلث التركة داخلاً فيها المبيع ذاته، أي تحسب التركة بمجموعها داخلاً فيها المبيع ثم يحسب ثلثها.
ج ـ تصرف المريض بماله بغير ثمن: إذا تصرف المريض مرض الموت بماله بغير ثمن؛ عدّ تصرفه هبة بلا مقابل، ويكون لها حكم الوصية إذا كانت قيمة الهبة تزيد على ثلث التركة، فإذا لم تكن كذلك أي لا تزيد على ثلث التركة ينفذ التصرف في حق الورثة من دون حاجة إلى إجازتهم، وعلى هذا الأساس فإن تصرف المريض في مرض الموت يتوقف على إجازة الورثة في حالتين، أولاهما: إذا كان البيع بلا مقابل، وكانت قيمة المبيع أكثر من الثلث، وثانيهما: إذا كان البيع بثمن أقل من قيمة المبيع حين الوفاة بما يزيد على ثلث التركة، فإذا رفض الورثة إجازة البيع؛ وجب على المشتري أن يرد إلى التركة ثمن ما جاوز الثلث، أي أن يرد إلى التركة ما يفي بتكملة ثلثيها. فإذا امتنع عن تكملة الثمن وجب عليه رد الزائد إلى التركة وإلا كان للورثة ملاحقته واسترداد المبيع واستيفاء حقهم منه.
ومما تجدر الإشارة إليه أن القانون المدني السوري لم يفرق بين كون التركة مستغرقة بالديون، أو ليست مستغرقة، وعند عدم النص يجب الرجوع إلى الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون المدني التي تحيل عند عدم النص إلى الشريعة الإسلامية. فإن كانت الديون تستغرق التركة؛ فإن تصرف المريض مرض الموت لا ينفذ في حق دائنيه؛ إذ ليس للورثة دور في هذه الحالة، فقد تكفي التركة لسداد ديونها وقد لا تكفي لسدادها، فليس للورثة أن يتدخلوا لأنه لا تركة إلا بعد سداد الديون وتنفيذ الوصايا. أما إذا باع المريض شيئاً من ماله لأجنبي بثمن المثل أو يزيد؛ فإن تصرفه يكون نافذاً في حق دائنيه؛ لأن ما قبضه يظل في التركة ولا يخرج منها، أي إن ما خرج من مال المدين؛ دخل في ملكه بدلاً منه.
3 ـ حماية غير الوارث حسن النية: قد يبيع المريض لغير الوارث شيئاً من ماله بعوض ومحاباة تزيد على ثلث التركة، فيرتب المتصرف إليه (المشتري الأول) على الشيء حقاً عينياً كالبيع أو الرهن أو الانتفاع، فيخرج المبيع من يده إلى يد شخص حسن النية، لا يعلم بصدور البيع من مريض في مرض الموت، فهل للورثة أن يتتبعوا الحق على العين المباعة؟ لا يستطيعون ذلك؛ لأن المادة (446) مدني سوري حمت غير الوارث حسن النية عندما قضت: "لا تسري أحكام المادة السابقة (445) إضراراً بالغير حسن النية إذا كان هذا الغير قد كسب بعوض حقاً عينياً على العين المبيعة"، وهذا يعني أن حق الورثة في تتبع العين ينحصر في حال سوء نية المشتري الثاني، أي في حالة علمه بالمحاباة الواقعة بين المريض والمشتري الأول فيفقد الحماية ولا يتمتع بها، فإذا لم يكن عالماً بالمحاباة، فليس للورثة الحق في فسخ بيع المريض وإبطاله.
بقي أن يذكر أن مقارنة المادة (445) مدني سوري التي تبيح محاباة المريض وارثه في ثمن المبيع؛ من دون أن يتوقف ذلك على إجازة باقي الورثة  ـ إلا إذا كانت المحاباة تتجاوز ثلث التركة  ـ تصطدم مع قول الرسولr"إنَّ اللّه قد أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقه، فلا وصية لوارثٍ". كما تصطدم بالمادة (238) أحوال شخصية التي لا تجيز الوصية لوارث عملاً بحديث رسول اللهr. ويرى العلماء أن قانون الأحوال الشخصية الذي صدر عام 1953 هو قانون متأخر في صدوره عن القانون المدني السوري الذي صدر عام 1949، والمتأخر يعد ناسخاً للحكم المعارض الذي يقضي بنفاذ محاباة المريض لوارثه في ثمن المبيع؛ إضافة إلى ذلك فإن قانون الأحوال الشخصية قانون خاص يقدم على القانون العام، وبذلك يزول الخلاف، ويتفق القانون مع الفقه الإسلامي.
4 ـ عبء إثبات مرض الموت: تقضي الفقرة الثانية من المادة (877) من القانون المدني السوري بما يأتي: "وعلى ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانوني قد صدر من مورثهم وهو في مرض الموت، ولهم إثبات ذلك بجميع الطرق، ولا يحتج بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً".
فعلى ضوء ما تقدم إذا وهب شخص مالاً لأحد ثم مات، فادعى الورثة أن مورثهم قد وهب المال وهو في مرض الموت، وادعى الموهوب له أنه تلقى الهبة والمورث في صحة جيدة؛ فالأصل ترجيح ما ادعاه الموهوب له، ما لم يقدم الورثة الدليل على أن الهبة قد صدرت من مورثهم وهو في مرض الموت، ولهم أن يثبتوا ذلك بجميع وسائل الإثبات بما في ذلك البينة والقرائن؛ لأن الدائن والوارث ـ بالنسبة إلى التصرفات الصادرة في مرض الموت إضراراً بحقوقهما المستمدة من القانون ـ يعدان من الغير، فإذا قدم الموهوب له سند التصرف ليدحض ادعاءهما؛ فإن هذا السند لا يقبل منه ولا يحتج به إلا إذا كان ثابت التاريخ طبقاً للمادة السابقة الذكر.
فإذا أثبت الورثة أن التصرف الذي قام به مورثهم قد صدر منه وهو في مرض الموت، عدّ التصرف صادراً على سبيل التبرع وتسري عليه أحكام الوصية، وعلى المتصرف إليه أن يقدم الدليل على غير ذلك، كأن يثبت أن التصرف لم يكن تبرعاً ولا هبة، بل كان بيعاً لقاء عوض يساوي قيمة المبيع، فكان صحيحاً نافذاً في حق الورثة، ولا يحتاج إلى إجازتهم. وهو ما قضت به الفقرة الثالثة من المادة (477) مدني سوري حين قالت: "وإذا أثبت الورثة أن التصرف صدر من مورثهم في مرض الموت، اعتبر التصرف صادراً على سبيل التبرع، ما لم يثبت من صدر له التصرف عكس ذلك، كل هذا ما لم توجد أحكام مخالفة".
ومعنى هذا أن المشتري لو أثبت أن العقد كان عقد البيع، وأثبت أن الثمن الذي دفعه يساوي قيمة المبيع أو يزيد عليه، فلا يعود للورثة الطعن بالبيع مطلقاً. أما إذا ثبت أن ثمن المبيع أقل من قيمته الحقيقية مقدرة حين الوفاة؛ فعندئذٍ ينظر إذا كانت الزيادة في القيمة تزيد على الثمن بما لا يتجاوز ثلث التركة داخلاً فيها المبيع ذاته؛ سرى البيع على الورثة لأن المحاباة لم تتعد حدود الثلث التي يجوز التبرع به، أما إذا كانت قيمة المبيع تزيد على الثمن بما يجاوز ثلث التركة وقت الموت داخلاً فيها المبيع ذاته؛ فإن البيع لا يسري في مواجهة الورثة إلا في الثلث، وما زاد على الثلث يعد موقوفاً على إجازتهم؛ أو أن يرد المتصرف إليه الزائد إلى التركة ما يكمل به ثلثيها.

مراجع للاستزادة:

 ـ أنور محمود دبور، "تصرفات المريض في مرض الموت"، بحث منشور في مجلة الشريعة والقانون، جامعة الإمارات العربية المتحدة، العدد الثاني، أيار /مايو 1988.
 ـ حسني محمود عبد الصمد، مرض الموت وأثره على عقد البيع، دراسة معمقة ومقارنة (دار الفكر الجامعي، الإسكندرية 2008).
 ـ عبد الرزاق أحمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الحقوق التي تقع على الملكية، البيع والمقايضة (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت  ـ لبنان 2000).
 ـ عبد المنعم البدراوي، عقد البيع في القانون المدني (مطابع دار الكتاب، القاهرة 1957).
 ـ علي حيدر، شرح مجلة الأحكام العدلية، تعريب المحامي فهمي الحسيني، المجلد الرابع (دار الجيل، بيروت 1991).
 ـ محمد الزحيلي، القانون المدني المقارن بالفقه الإسلامي، العقود المسماة، البيع والمقايضة (مطبعة خالد بن الوليد، دمشق 1983).
 ـ محمد أحمد كنعان، الموسوعة الطبية الفقهية (دار النفائس، القاهرة 2000).
 ـ محمود جلال حمزة، التبسيط في شرح القانون المدني الأردني، العقود المسماة، عقد البيع وعقد الإيجار، ج4 (عمّان 2005).
 ـ مصطفى أحمد الزرقا، شرح القانون المدني السوري، العقود المسماة، عقد البيع والمقايضة (مطابع فتى العرب، ط6، دمشق 1965).
 ـ مصطفى أحمد الزرقا، المدخل الفقهي العام (الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد) (دار الفكر، ط6، دمشق 1992).
 ـ وهبة الزحيلي، العقود المسماة في قانون المعاملات المدنية الإماراتي (دار الفكر، لم تذكر السنة).

المصدر: الموسوعة القانونيالعر.بية

تعليقات