القائمة الرئيسية

الصفحات



سهام القضاء المغربي في إرساء دعائم الأمن الاجتماعي في مجال الأسرة محمد الخضراوي مستشار بمحكمة النقض المغربية







إسهام القضاء المغربي

في إرساء دعائم الأمن الاجتماعي في مجال الأسرة

           ورقة من إعداد:

محمد الخضراوي

مستشار بمحكمة النقض المغربية

رئيس قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي


بمناسبة المؤتمر الرابع لرؤساء المحاكم العليا العربية بدولة قطر


24-26 شتنبر 2013



مقدمة:


لا شك أن التطورات المتسارعة التي يعرفها العالم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، رفعت من سقف التحديات الموضوعة أمام الدول وأدت إلى ظهور مفاهيم جديدة غيرت من هيكلة بنية المجتمعات وطبيعة العلاقات وحتى في وظائف الدولة وأفرزت قيما جديدة اضطرت المؤسسة التشريعية إلى مواكبتها بإصدار نصوص قانونية جديدة أو الانخراط في اتفاقيات دولية.



لكن الثابت أن هذه النصوص بحكم صيرورة التغيير وحتميته تتآكل وتقف دائما عاجزة عن الإحاطة بكافة النوازل والأقضية، لأنها تبقى من صنع البشر ولأنها تتناهى باعتبار عددها والوقائع لا تتناهى من حيث دلالاتها، فيبقى الملاذ هو القضاء لتدبر هذه الوقائع اللامتناهية والاجتهاد في إيجاد حلول لها. وهو ما يعبر عنه بالدور الخلاق للقضاء، إنه دور القضاء في إخضاع القانون لسنة التطور.



ولعل أهم مجال يمكن أن نرصد فيه هذا الدور الجديد للمؤسسة القضائية هو القضاء الأسري على اعتبار محورية الأسرة في أي مشروع لبناء مجتمع ديمقراطي وترسيخ قيم المواطنة والأمن والحرية والمساواة. حيث إن استتباب الأمن المجتمعي رهين بضبط العلاقات الأسرية في إطار يصون للجميع حقوقه وكرامته ويحدد له واجباته والتزاماته.



وفي المغرب يشكل هذا الموضوع محورا أساسيا وهدفا رئيسيا تضمنته مختلف الأوراش التنموية الكبرى التي انخرطت فيها البلاد وكرسه دستور 2011 بشكل واضح وجعل السلطة القضائية مسؤولة عن تنزيله من خلال التزامها بضمان وحماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات وأمنهم القضائي ومنه الأمن الأسري.



وقد استطاع القضاء المغربي فعلا خلال السنوات الأخيرة مواكبة كافة هاته التحولات القانونية والاجتماعية والثقافية وأصدر مجموعة من القرارات المبدئية الهامة التي تحمل نفحة حقوقية ومقاربة حمائية للأسرة المغربية بكافة مكوناتها مستعينا في ذلك بترسانة قانونية عصرية وبمرجعية اجتهادية وقراءة مقاصدية للنصوص ونظر في المآلات.



وسأحاول في هذه الورقة إبراز مساهمة هذا القضاء في تحقيق الأمن الاجتماعي الأسري من خلال محورين رئيسيين:



المحور الأول:محددات الإطار العام للأمن الأسري بالمغرب

المحورالثاني:التكريس القضائي للأمن الأسريبالمغرب: الآليات والتحديات







المحور الأول:



محددات الإطار العام للأمن الأسري بالمغرب












  Carré corné: المحدد الأول: التأسيس لمدونة الأسرة













المقاربة والمناخ العام الذي ولدت فيه.



يتفق الجميع على أن صدور قانون مدونة الأسرة المغربية يوم 3 فبراير 2004 يعتبر حدثا تاريخيا متميزا ومنعطفا حاسما في سياق المشروع المجتمعي الديموقراطي الذي ارتضاه المغاربة وتوافقوا عليه القائم على إنصاف المرأة وصيانة كرامة الرجل وحماية حقوق الطفل.



ولاشك أن السياق الذي أخذه مسار إعداد مدونة الأسرة بالمملكة المغربية، والمنهجية التي خضع لها تحضيرها إلى أن قطعت طريقها عبر قنوات التشريع وأصبحت قانونا نافذا، سياق ومنهجية تميزا بخصوصية فريدة من نوعها وبالغة الأهمية والدلالة.



فقبل أن تبادر الحكومة المغربية إلى تحضير مشروع القانون وإحالته على البرلمان، اهتدى جلالة الملك محمد السادس إلى إحداث لجنة ملكية استشارية مكونة من علماء وخبراء مختصين رجالا ونساء، متعددة التخصصات والمرجعيات الفكرية والسياسية والحقوقية، من فقهاء وقضاة ورجال قانون وأطباء وشخصيات من المجتمع المدني عهد إليها جلالته بمراجعة جذرية لمدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957 كما وقع تعديلها سنة 1993 وتقديم مشروع جديد متكامل. وزودها بالتوجيهات الضرورية في موضوع بالغ الحساسية، في بلد يقوم على التعددية السياسية والفكرية على اختلاف مرجعيتها، وحثها على إعمال الاجتهاد في استنباط الأحكام والاستشهاد بالمقاصد السمحة للشريعة الاسلامية مع التزام بقيم حقوق الإنسان ومبادئه، كما تكرسها المنظومة العالمية لحقوق الإنسان ووضع حلول متوازنة ومنصفة وعملية لأحوال الأسرة، مستمدة من الاجتهاد المستنير المنفتح والمواطنة الحقة التي تحفظ الكرامة والمساواة داخل مكونات الأسرة.



وقد تفرغت هذه اللجنة لمدة تزيد عن سنتين ونصف، لتضع إنجازا تاريخيا مسؤولا، تميز أساسا بانسجامه الفكري مع عمق التحولات العامة التي عرفتها بلادنا في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحالي. وأعني بذلك التحول الديموقراطي الذي راهن على ترسيخ مقومات دولة القانون وسيادته وعلى دولة العدل والمساواة والمؤسسات.



بحيث إن المشروع الذي عرضته الحكومة على البرلمان، جاء بداية معززا بالمشاركة والإجماع الوطنيين في تطابق تام مع التوجهات الأساسية التي حددها جلالة الملك، لينتهي الأمر بمصادقة البرلمان بغرفتيه على المشروع بالإجماع، بعد نقاش مستفيض أدخل عليه تعديلات، غالبا ما طالت الشكل دون الجوهر، على النحو الذي يعكس طموحات الشعب والملك والحكومة والبرلمان. وبذلك فقد تم تحضير هذا العمل باالدرس العلمي الشمولي المعمق، مورست فيه الديموقراطية المباشرة في إعداده بمعنى أنه مورست فيه السيادة بشكل مباشر من طرف كل مكونات المجتمع الفاعلة، وبشكل غير مباشر عن طريق البرلمان، مما لم يتوفر، بهذه المنهجية، لغيره من التشريعات التي تصدر طبقا للمسطرة الدستورية العادية، وهو ما أهل المدونة لتنال إشعاعها الوطني والدولي، ووصفت بالثورة القانونية والاجتماعية.



المرجعية الجوهرية والمباشرة للمدونة



ونحن بصدد تأصيل مستجدات مدونة الأسرة بالمغرب، نرى من المفيد والضروري الوقوف عند ميزة بالغة الأهمية تميزت بها هذه المدونة. ذلك أن المشرع جعل " الاجتهاد "  في الحالات التي لم يرد بشأنها نص صريح مرجعا مباشرا لهذا القانون وعلى مقتضى فلسفة هذا الاجتهاد صيغت مقتضيات المدونة الجديدة وعلى مقتضى فلسفته يتعين لزوما أن تصاغ أحكام القضاء في المنازعات الأسرية.



والاجتهاد بهذا المدلول هو الاجتهاد الذي حددت له المدونة بنص صريح، فلسفته ومرتكزاته وهي؛ المساواة والعدل والمعاشرة بالمعروف بين مكونات الأسرة، خاصة بين الزوجين، انطلاقا من المبادئ السمحة للدين الإسلامي، وتحديدا الفقه المالكي. فقد ورد في المادة 400 من المدونة ما يلي: " كل ما لم يرد به نص في هذه المدونة، يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعى فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف ".



وبناء عليه فمدونة الأسرة، جاءت بتلك المبادئ والقيم التي لا محيد عنها لترسيخ طابع التماسك الصلب لمؤسسة الأسرة القائم على العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف.



هذه المنهجية وهذا الحراك والتوافق أفرز نصا قانونيا وتجربة رائدة جاءت بمستجدات أهمها:



تبني صياغة حديثة وتجاوز المفاهيم والمصطلحات التي كانت تمس بكرامة وإنسانية المرأة.

مراعاة الحقوق الفضلى للطفل.

العناية بقضايا أفراد الجالية المقيمين بالخارج.



وقد تم تعضيد هذا النص الذي يشارف على إطفاء شمعته العاشرة بمجموعة من النصوص الأخرى كقانون الجنسية ومدونة الشغل، والقانون الجنائي والمسطرة الجنائية والانضمام والمصادقة على مجموعة من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بمجال الأسرة ومنها أساسا اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية SEDAW سيداو وغيرها...



مما شكل آليات هامة لتكريس الأمن القانوني الأسري.








  Carré corné: المحدد الثاني: وضع نظام قانوني حمائي متكامل للأسرة المغربية









أولا: الحماية الحقوقية والجنائية للأسرة



تتعلق بحماية الحقوق الطبيعية للأفراد باعتبارها حقوقا لصيقة بهم، يمنع التعدي عليها أو المساس بها، وهي الحق في الحياة كأول الحقوق لكل إنسان (الفصل 20 من الدستور)، والحق في سلامة شخصه وأقربائه (الفصل 21 من الدستور).



وعدم جواز المساس بسلامته الجسدية أو المعنوية، وتجريم ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، (الفصل 22 من الدستور).



ويتولى القانون الجنائي حماية هذه الحقوق بتجريمه لجميع الأفعال التي من شأنها المساس بها أو التعدي عليها، وبإقراره لعقوبات محددة لها، وذلك حفاظا على سلامة الأسرة وكرامتها، وضمانا لاستقرارها وأمنها، وتتجلى هذه الحماية في:



1- حماية جنائية لحقوق الأسرة:



تحدد هذه الحماية الجرائم التي تهدد أمن الأسرة واستقرارها في الآتي:



أ - جرائم العرض وهي نوعان:



نوع يرتكب بمحض إرادة الأطراف واختيارهم وبناء على رغبتهم، بصرف النظر على البواعث والأسباب، ويتمثل في:



- جريمة الفساد التي يترتب عنها تفكيك المجتمع وانهياره، ويعاقب عليها بمقتضى الفصل 490.



- جريمة الخيانة الزوجية التي تتسب في إهانة كرامة أفراد الأسرة والنيل من سمعتها والمساس بشرفها، منصوص على عقوبتها في الفصل 491.



- جريمة إهمال الأسرة يمكن القول بأنها نتيجة حتمية لاعتياد ارتكاب جريمتي الفساد والخيانة وعقوبتها محددة بمقتضى الفصول من 479 إلى 482.



- جريمة الشذوذ الجنسي وتعاقب بمقتضى الفصل 489.



ونوع آخر يرتكب بناء على رغبة طرف واحد وبممارسة للضغط والتهديد على الطرف الآخر، ويتمثل في:



- جريمتي هتك العرض والاغتصاب المعاقب عليها بمقتضى الفصول من 484 إلى 488.



وتختلف جريمة هتك العرض عن جريمة الاغتصاب في أن الأولى تقع على النساء والرجال والأطفال، خلافا لجريمة الاغتصاب التي تقع على المرأة وحدها سواء كانت بالغة أو قاصرة.



ب- جرائم ماسة بالآداب وهي:



- الإخلال العلني بالحياء: يعاقب عليها الفصل 483.



- التحرش الجنسي: يعاقب عليه الفصل 1-503.



- اختطاف امرأة متزوجة أو التغرير بها أو نقلها من المكان الذي وضعها فيه من لهم ولاية أو إشراف عليها أو من عهد إليهم بها، وكذلك من حمل غيره على فعل ذلك يعاقب عليها الفصل 493.



إفساد الشباب والبغاء وتعاقب بمقتضى الفصول من 498 إلى 503.



العنف بكل أنواعه المرتكب ضد النساء ويتمثل في العنف الجسدي والعنف الجنسي والعنف النفسي والمعنوي والعنف الاقتصادي، الذي يرتكب من طرف الأزواج أو من طرف الأغيار.



2 - حماية جنائية لحقوق الطفل:



أولى القانون الجنائي حماية خاصة لحقوق الطفل سواء قبل ولادته أو بعدها، وذلك بإقراره لإجراءات حماية لهذه الحقوق، أو بتجريمه لأفعال من شأنها التعدي عليها أو المساس بسلامتها.



أ - الإجراءات المتعلقة بحماية الطفل:



- قبل الولادة:



تنص مقتضيات الفصل 32 من القانون الجنائي على تأجيل تنفيذ العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها على المرأة إذا ثبت أنها حامل أكثر من ستة أشهر إلى حين مرور أربعين يوما على وضعها، وتأخير العقوبات السالبة للحرية أيضا في حق النساء اللائي وضعن قبل الحكم عليهن بأقل من أربعين يوما.



- بعد الولادة:



جاء في مقتضيات الفصل 33 من القانون الجنائي أنه إذا حكم على رجل وزوجته، ولو عن جرائم مختلفة، بالحبس لمدة تقل عن سنة، وكانا غير معتقلين يوم صدور الحكم، فإنهما لا ينفذان عقوبتيهما في آن واحد إن أثبتا ان لهما محل إقامة معين وأن في كفالتهما وتحت رعايتهما طفلا دون الثامنة عشرة ليس بالإمكان أن يقوم بكفالته على الوجه المرضي غيرهما من الأشخاص والمؤسسات العامة أو الخاصة ما عدا إذا صدر من طرف الزوجين طلب يخالف ذلك.



ب - الجرائم الماسة بحقوق الطفل وهي:



- جريمة الإجهاض: يعاقب عليها بمقتضى الفصول من 449 إلى 451 و454 و455.



جرائم تحول دون التعرف على هوية الطفل: تعاقب عليها الفصول من 468 إلى 470.



جريمة بيع أو شراء الأطفال: تعاقب بمقتضى الفصل 1-467.



- جرائم ترك الأطفال أو العاجزين وتعريضهم للخطر: يعاقب عليها بمقتضى الفصول من 459 إلى 467.



- جريمة استغلال الأطفال لممارسة عمل قسري: عقوبتها منصوص عليها في الفصل 2-467.



- جريمة خطف القاصرين وعدم تقديمهم: يعاقب عليها بمقتضى الفصول من 471 إلى 478.



- جريمة الاعتداء الجنسي على الأطفال: تعاقب عليها الفصول من 484 إلى 486.



- جريمة تسليم الطفل إلى متشرد أو متسول: يعاقب عليها الفصل 330.



- جرائم الإيذاء المتعمد بمختلف أنواعه بما فيه القتل: تعاقب بمقتضى الفصول من 408 إلى 410.



- جرائم تحريض القاصرين على الدعارة والبغاء: تعاقب بمقتضى الفصول 497 و499 و 2-503.



ثانيا: الحماية الاجتماعية للأسرة



تتعلق بتنظيم العلاقات التي تربط بين أفرادها وبتحديد حقوقهم والتزاماتهم اتجاه بعضهم البعض، من أجل بناء أساس الأسرة (الزواج)، وتنظيم نسلها (البنوة) وحماية نسبها (النسب)، وضمان حقوق أفرادها (التسجيل في الحالة المدنية، الجنسية، النفقة، الحضانة، الطلاق، التطليق، الولاية الشرعية، الإرث، التعليم)



تتولى مواد مدونة اللأسرة، والقوانين المتعلقة بالحالة المدنية، وبكفالة الأطفال المهملين، وبالجنسية، وبإلزامية التعليم الأساسي، حماية هذه الحقوق.



1 - حماية مدونة الأسرة لحقوق الأفراد



تتمثل هذه الحماية على الخصوص في تقرير مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة، وفي حماية الحقوق المتعلقة بالمرأة وبالقاصرين وبالأطفال وبالأقارب؛



أ – تقرير مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ويتجلى في:



- اكتمال أهلية الزواج بثمان عشرة سنة شمسية (المادة 19)



- تحمل مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال
- التشاور في اتخاذ القرارات المتعلقة بتسيير شؤون الأسرة والأطفال والنسل

(المادة 51)


- ممارسة حق الطلاق تحت مراقبة القضاء (المادة 78)



- طلب التطليق بسبب الشقاق (المادة 94)



- طلب التطليق الناتج عن الضرر المترتب عن الإخلال بشرط في عقد الزواج (المادة 98)



ب – حماية حقوق المرأة



- الولاية حق للمرأة تمارسه الراشدة حسب اختيارها ومصلحتها (المادة 24)



- للراشدة أن تعقد زواجها بنفسها أو تفوض في ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها (المادة 25)



- منع تعدد الزوجات إذا خيف عدم العدل بينهن (المادة 40)



- الإذن بالتعدد لا يجوز إلا وفق الحالات والشروط الشرعية، وإثبات المبرر الموضوعي والاستثنائي، مع بيان الشروط اللازم توفرها لإمكانية الإذن به (المادة 41)



- إسناد صلاحية إصدار الإذن بالتعدد للمحكمة (المادة 42)



- استدعاء المحكمة للمرأة المراد التزوج عليها، وإشعارها بالبيت في طلب الإذن بالتعدد (المادة 43)



- تضمين محضر رسمي لإشعار القاضي المرأة المراد التزوج بها بأن من يريد التزوج بها متزوج بغيرها ورضاها بذلك، قبل إبرام عقد الزواج (المادة 46)



ج- حماية الحقوق المشتركة بين الزوجين



- الاتفاق على استثمار الأمور التي ستكتسب أثناء قيام العلاقة الزوجية، مع إلزام العدلين بإشعار الزوجين بهذه المقتضيات أثناء إبرام عقد الزواج (المادة 49)



- تدخل النيابة العامة لإرجاع المطرود بدون مبرر من بيت الزوجية، مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأمنه وحمايته (المادة 53)



د- حماية حقوق القاصرين



- إذن قاضي الأسرة المكلف بزواج الفتى أو الفتاة دون سن الأهلية بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك (المادة 20)



- اكتساب المتزوجان، طبقا للمادة 20، الأهلية المدنية لممارسة حق التقاضي في كل ما يتعلق باثار عقد الزواج من حقوق وواجبات (المادة 21)



ه- حماية حقوق الطفل



- اعتماد الخبرة كوسيلة لإثبات النسب (المادة 153)



- للطفل على أبويه حق حماية حياته وصحته منذ الحمل إلى حين بلوغ سن الرشد، والعمل على تثبيت هويته والحفاظ عليها، خاصة، بالنسبة للاسم والجنسية والتسجيل في الحالة المدنية، واتخاد كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي له، والتوجيه الديني والتربية على السلوك القويم، والتعليم والتكوين الذي يؤهله للحياة العملية والعضوية النافعة للمجتمع، كما أن الطفل المعاق يتمتع إضافة إلى هذه الحقوق بالحق في الرعاية الخاصة بحالته، ولا سيما التعليم والتأهيل المناسبان لإعاقته قصد تسهيل إدماجه في المجتمع (المادة 54)



- اقتطاع النفقة من منبع الريع أو الأجر الذي يتقاضاه الأب (المادة 191)



- تطبيق أحكام إهمال الأسرة في حق كل من توقف عن النفقة الواجبة عليه للأطفال، بعد انصرام أجل شهر، دون عذر مقبول (المادة 202)



- المساواة بين الذكر والأنثى فيما يتعلق بالحضانة وفي استمرارها إلى بلوغ سن الرشد، وفي حق اختيارهما الحاضن حين بلوغهما سن الخامسة عشر (المادة 166)



- زواج الأم الحاضنة أو حصول عذر لها لا يؤدي بصفة آلية إلى سقوط حقها في الحضانة، إذ لا بد من مراعاة مصلحة المحضون (المادة 175)



- مساواة أولاد البنت مع أولاد الابن في الوصية الواجبة (المادة 369)



و – حماية حقوق الأقارب



- استمرار نفقة الأب على أولاده إلى حين بلوغهم سن الرشد، أو إتمام الخامسة والعشرين بالنسبة لمن يتابع دراسته، وفي كل الأحوال لا تتوقف نفقة البنت إلا بتوفرها على الكسب أو بوجوب نفقتها على زوجها، ويستمر إنفاق الأب على أولاده المصابين بإعاقة والعاجزين عن الكسب (المادة 198)



- توزيع نفقة الآباء على الأبناء عند تعدد الأولاد بحسب يسر الأولاد لا بحسب إرثهم (المادة 203)



2 – حماية القانون المتعلق بالحالة المدنية لحقوق الأسرة



تعرف مقتضيات المادة الأولى من هذا القانون أن "الحالة المدنية" نظام يقوم على تسجيل وترسيم الوقائع المدنية الأساسية للأفراد، من ولادة ووفاة وزواج وطلاق وضبط جميع البيانات المتعلقة بها، من حيث نوعها، وتاريخ ومكان حدوثها، في سجلات الحالة المدنية.



أ – الحماية المتعلقة بحقوق الطفل



- تتمثل هذه الحماية فيما تتضمنه مقتضيات المادة 16 من وجوب التصريح بالولادة لدى ضابط الحالة المدنية لمحل وقوعها، من قبل أقرباء المولود حسب ترتيبهم، الأب أو الأم أو وصي الأب...، وإذا تعلق الأمر بمولود وقع التخلي عنه بعد الوضع، يصرح بولادته وكيل الملك بصفة تلقائية أو بناء على طلب من السلطة المحلية أو من كل من يعنيه الأمر، وتصرح بولادة البن المجهول الأب أمه أو من يقوم مقامه



ب – الحماية المتعلقة بحقوق الأسرة



- يجوز لكل مغربي مسجل بالحالة المدنية، أن يطلب تغيير اسمه الشخصي إذا كان له مبرر مقبول، بواسطة حكم قضائي صادر عن المحكمة الابتدائية المختصة (المادة 21)



- تضمين البيانات الأساسية المتعلقة بعقد الزواج، ووثيقة الطلاق، أو الخلع أو التطليق، أو الرجعة بطرة رسم ولادة كل من الزوجين (المادة 22)



- يحق للزوجة أو المطلقة أو للنائب الشرعي الحصول على نسخة من الدفتر العائلي مصادق على مطابقتها للأصل (المادة 23)



3 – حماية القانون المتعلق بكفالة الأطفال المهملين



- تحدد مقتضيات هذا القانون مفهوم الطفل المهمل وكفالته، وتبين الإجراءات الواجب القيام بها من أجل حمايته وتربيته والنفقة عليه وتتمثل في:



- تقديم كل من عثر على طفل وليد مهمل المساعدة والعناية التي تستلزمها حالته، ويبلغ عنه على الفور مصالح الشرطة أو الدرك أو السلطات المحلية بمكان العثور عليه،



- قيام وكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية الواقع بدائرة نفوذها مقر إقامة الطفل أو مكان العثور عليه بإيداع الطفل مؤقتا بإحدى المؤسسات الصحية أو بأحد مراكز او مؤسسات الرعاية الاجتماعية المهتمة بالطفولة، أو لدى أسرة أو امرأة ترغب في كفالته أو في رعايته فقط، شريطة أن يتوفر في هؤلاء الأشخاص أو المؤسسات الشروط المنصوص عليها قانونا، وذلك إلى أن يصدر الأمر بشأن الكفالة،



 - يقوم وكيل الملك  بكل الإجراءات الرامية إلى تسجيل الطفل بالحالة المدنية، قبل تقديمه طلب التصريح بالإهمال أمام المحكمة الابتدائية،



- تقوم المحكمة بعد إجراء بحث أو خبرة بإصدار حكم تمهيدي يتضمن البيانات اللازمة بالتعريف بالطفل ومكان العثور عليه لتمكين من يستطيع إثبات أبوته من المطالبة باسترداده، وذلك فبل أن تصدر حكما مشمولا بالنفاذ المعجل بقوة القانون تصرح فيه بأن الطفل مهمل،



- توجه نسخة من هذا الحكم بطلب من وكيل الملك أو من الشخص الذي يطلب كفالة الطفل إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين لدى المحكمة المختصة الذي يمارس الولاية على الأطفال المهملين طبقا لأحكام النيابة الشرعية والنيابة الثانونية، ويعهد إليه بإسناد كفالة هذا الطفل إلى الشخص أو الجهة الراغبة في الكفالة طبقا للشروط المطلوبة لها.



4 – حماية القانون لحق الطفل في التعليم



ينص الدستور المغربي على أن التعليم الأساسي حق للطفل، وواجب على الأسرة والدولة، وتتجلى حماية القانون لهذا الحق فيما تتضمنه مقتضيات القانون المتعلق بإلزامية التعليم الأساسي، وقانون مدونة الأسرة،



فالقانون المتعلق بإلزامية التعليم الأساسي ينص على الإجراءات الواجب على الدولة وعلى الآباء وعلى أولياء الأطفال القيام بها لاستفادة الأطفال من حقهم في التعليم الأساسي باعتبار أن:



- التعليم الأساسي حق وواجب لجميع الأطفال المغاربة ذكورا وإناثا البالغين ست سنوات، وتلتزم الدولة بتوفيره لهم في أقرب مؤسسة تعليمية لمكان إقامتهم، ويلتزم الآباء والأولياء بتنفيذه إلى غاية بلوغهم تمام الخامسة عشر من عمرهم.



- كل شخص مسؤول عن طفل يجب عليه أن يطلب تسجيله بمؤسسة التعليم في السنة التي يبلغ فيها الطفل سن السادسة، ويجب عليه بالإضافة إلى ذلك أن يسهر على تردد الطفل بصفة منتظمة على المؤسسة التي سجل فيها، وفي حالة عدم قيام الأشخاص المسؤولين عن الطفل بتسجيله وفقا لأحكام هذا القانون تقوم الإدارة بذلك تلقائيا.



تحدد مقتضيات هذا القانون مفهوم الأشخاص المسؤولون عن الأطفال في الأب وعن عدم وجوده أو فقدانه الأهلية في الأم أو الوصي أو الكافل أو المقدم شرعا، وفي مديري أو متصرفي أو مسيري كل مؤسسة ترمي مهمتها إلى حضانة الأطفال الأيتام أو المهملين ورعايتهم باستمرار، كما تنص هذه المقتضيات على معاقبة الأشخاص المسؤولين الذين لم يتقيدوا بأحكام هذا القانون دون عذر مقبول؛



أما مقتضيات المادة 54 من مدونة الأسرة، فتنص على أن للأطفال على أبويهم حق التعليم والتكوين الذي يؤهلهم قصد المستطاع، الظروف الملائمة لمتابعة دراستهم حسب استعدادهم الفكري والبدني، كما تنص المادة 169 أن على الأب أو النائب الشرعي والأم الحاضنة واجب العناية بشؤون المحضون في التأديب والتوجيه الدراسي، وعلى الحاضن غير الأم مراقبة المحضون في المتابعة اليومية لواجباته الدراسية؛



هذه التحولات الكبرى فرضت رهانا جديدا على الأمة ألا وهو رهان التنزيل السليم لكل هذه المقتضيات ولحمولتها الحقوقية الكبرى مما تطلب أيضا فتح حوار وطني حول إصلاح منظومة العدالة بنفس المقاربة التشاركية التي أصبحت منهجا مغربيا أصيلا متجدرا في كل القضايا المجتمعية الكبرى. وهكذا تم إحداث هيئة عليا لإدارة هذا الحوار ضمت عددا من كبار الشخصيات والمسؤولين والفاعلين في قطاع العدالة بكافة أطيافها ومواقعها إضافة إلى جهة أخرى شاركت في أشغال اللقاءات والورشات والندوات واللجان التي انكبت على مناقشة المحاور الأساسية الكفيلة بإنتاج عدالة قوية فعالة ومتميزة بحداثة هياكلها ونجاعتها وبقربها من المتقاضين. كما أفرد للعدالة الأسرية محور خاص نوقش من خلاله مختلف الإشكالات وقدمت عدة تصورات لتطوير هذه العدالة وجعلها منسجمة مع الأهداف المسطرة لها ألا وهي تحقيق الأمن الاجتماعي والسلم الأسري المنشود.












  Carré corné: المحدد الثالث: دستور 2011 (مجتمع المناصفة والكرامة والمواطنة)









بنفس المنهج التشاركي وبآليات تشاورية متقدمة وضع دستور يوليوز 2011 ليلبي متطلبات دينامية التغيير، ومواكبة التحولات الحقوقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية التي عرفتها بلادنا في إطار صيرورة ثابتة ومستمرة على مدى سنوات طويلة من الإصلاح أصبح معها دستور 96 ومعه عدد كبير من القوانين والمؤسسات غير قادر على مواكبة التحديات المستقبلية لمغرب الألفية الثالثة دولة الحق والمؤسسات ومجتمع الكرامة والحرية والمساواة والمواطنة.



فجاء دستور 2011 متضمنا عدة مقتضيات وأبواب تهم الأسرة والشباب وأفراد الجالية بالخارج ...... وحدد آليات لتنزيل حقوقهم وضمان تفعيلها. وعلى رأس هذا الضمانات سلطة قضائية مستقلة حملها دستوريا مسؤولية حماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات وضمان أمنهم القضائي (المادة 117 من الدستور)



ليكون أول دستور ينص صراحة على هذا المفهوم " الأمن القضائي " ويؤسس له كالتزام دستوري وكمقاربة جديدة للأدوار والمهام القضائية.







المحور الثاني:



التكريس القضائي للأمن الأسري بالمغرب:



الآليات والتحديات







لقد دشن قانون الأسرة المغربي تحولا كبيرا في دور القضاء وصلاحياته حيث لم يعد موضوعها فقط البت في نزاع تقليدي – كلاسيكي – بين أطراف هذه الأسرة وإنما البحث عن حلول تحمي حقوق أفرادها في نفس الوقت الذي تحمي فيه المصلحة الجماعية الأسرة، صلاحيات تتنامى كلما كان مصير هذه الأسرة مهددا أو معرضا للخطر وتدعو القاضي إلى تصور حلول اعتمادا على اعتبارات الملاءمة والتقدير بالدرجة الأولى. فالقاضي في قانون الأسرة الجديد لا يبت فقط بطريقة مباشرة في حق من الحقوق الخاصة أو الفردية ولا يفصل في الخصومة بالطريقة التقليدية وإنما بمقتضى سلطة الملاءمة والتقدير في تبني القرار الأنسب والأصلح لوضعية الأسرة ومصلحتها.



فقانون الأسرة المغربي بهذا المعنى يؤسس لدور قضائي جديد ألا وهو " القضاء الأسري " (magistrature familiale) وتدل على ذلك المؤشرات التالية:



إعطاء دور تدخلي وتوجيهي للقضاء في بعض المساطر المتعلقة بقضايا الأسرة وتنامي صلاحياته فيها مقابل تراجع سلطة الخصوم.

بروز وظائف جديدة للتدخل القضائي في القضايا المتعلقة بالأسرة في مقابل الوظيفة التقليدية في فض النزاعات.

بروز أهداف جديدة للتدخل القضائي تتمثل في حماية الأسرة وإنقاذها.

إعطاء دور رئيس للنيابة العامة في قانون الأسرة باعتبارها طرفا أصليا في بعض القضايا الرامية إلى تطبيق هذه القانون.

تنوع الأجهزة القضائية المتدخلة في القضايا المتعلقة بالأسرة؛ ما بين قضاء الموضوع وقضاة النيابة العامة، وما بين القضاء الجماعي والقضاء الفردي، وما بين القضاء العادي والقضاء الاستعجالي، يعكس توجه المشرع نحو تأسيس عدالة أسرية متخصصة تنظيما وموضوعا ومسطرة. وهذا ما يظهر من خلال توزيع الاختصاصات والمسطرة والأحكام وطرق الطعن.



وإذا كانت هذه المؤشرات تدل على أن التدخل القضائي في المغرب أصبح له إطار وظيفي جديد يمارس فيه، فقد كان لزاما إيجاد آليات هيكلية وأخرى مسطرية يمارس من خلالها هذه الوظيفة الجديدة ويحقق من خلالها الأمن الاجتماعي الأسري المنشود.



وللاستدلال على ذلك اخترت التفصيل في ثلاثة آليات أساسية:








  Organigramme : Document: الآلية الأولى: التأسيس لعدالة أسرية متخصصة









لقد أسند قانون الأسرة المغربي التدخل القضائي في القضايا المتعلقة بالأسرة إلى أجهزة قضائية متخصصة هي أقسام قضاء الأسرة، وفي ذلك مؤشر على الرغبة في جعل هياكل هذا التدخل هياكل متخصصة ومؤهلة وتشتغل في ظروف كفيلة بحسن تطبيق قانون الأسرة لاسيما وقد تبين من خلال تطبيق مدونة الأحوال الشخصية الملغاة أن جوانب القصور والخلل لا ترجع فقط إلى بنودها ولكن بالأحرى إلى انعدام قضاء أسري مؤهل ماديا وبشريا ومسطريا، لتوفير كل شروط العدل والإنصاف، مع السرعة في البت في القضايا والتعجيل بتنفيذ الأحكام الصادرة فيها. كما أكد على ذلك الملك محمد السادس نصره الله في كلمته السامية بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية السابعة.



إن هذا التعديل الجديد يندرج في سياق إصلاح وتحديث قضاء الأسرة وتطوير أساليبه وأدواته وجعلها قادرة على الاستجابة للأهداف المرجوة من التدخل القضائي الجديد نظرا للسلطات التي يخولها هذا القانون للقاضي الأسري.



وهكذا تشكل أقسام قضاء الأسرة أو محكمة الأسرة بالمعنى الواسع الجهاز الرئيسي للتدخل القضائي في قانون الأسرة المغربي وذلك من خلال النظر في قضايا الأحوال الشخصية والميراث والحالة المدنية وشؤون التوثيق والقاصرين والكفالة وكل ما له علاقة برعاية وحماية اللأسرة. مما يجعلها جهة اتخاذ القرارات الحاسمة في القضايا المتعلقة بالأسرة.



ونميز فيها بين الأجهزة القضائية المنفردة والمقصود بها قاضي الأسرة المكلف بالزواج وقاضي التوثيق والقاضي المكلف بشؤون القاصرين ورئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للمستعجلات ثم الأجهزة القضائية الجماعية.



وسأركز فقط في هذه الورقة على توضيح مهام القاضي المكلف بالزواج بصفته مؤسسة مستجدة وكذا مجالات الاختصاص المنعقدة لقضاء الحكم والدور الجديد لمؤسسة النيابة العامة مركزا على مساهمتها في تحقيق الأمن القضائي الأسري:











أولا: قاضي الأسرة المكلف بالزواج



وهويعتبر من الأجهزة القضائية الجديدة المتدخلة في القضايا المتعلقة بالأسرة، وقد أنيطت به مهمة الإشراف على إبرام عقود الزواج والإذن بتوثيقها، والبت بمقتضى أوامر في الطلبات الداخلة في اختصاصه من خلال الاختصاصات التالية:



الإذن بتوثيق الزواج؛

التأشير على ملف المستندات التي تحفظ بكتابة ضبط محكمة الأسرة؛

الإذن بتوكيل الغير إبرام عقد الزواج نيابة عن أحد أطرافه؛

التأشير على الوكالة في الزواج؛

إشعار المرأة المراد التزوج عليها بأن مريد الزواج بها متزوج ورضاها بذلك؛



الإذن بزواج معتنقي الإسلام والأجانب.



-وإذا كان قاضي الأسرة المكلف بالزواج هو المسؤول عن منح هذه الأذون، فإن هذه الصلاحيات تندرج في سياق الأدوار والأهداف الجديدة للتدخل القضائي في القضايا المتعلقة بالأسرة؛ وهي تسريع المساطر وحماية مؤسسة الزواج والأسرة وتفادي أي تحايل أو غش في الزواج قد تكون له آثار سلبية على الأسرة.



وحسب إحصائيات سنة 2011 فقد وصلت عدد رسوم الزواج إلى 325415 بنسبة زيادة وصلت إلى 4% مقارنة بسنة 2010 وهي نسبة في تصاعد مستمر منذ صدور مدونة الأسرة سنة 2004



–وإلى جانب مهمه في مجال الاختصاص الولائي المتعلق بمنح الأذون للزواج، أناط قانون الأسرة المغربي بقاضي الأسرة المكلف بالزواج مهاما أخرى ذات صبغة قضائية.



–في بعض القضايا المحددة حصريا ويتعلق الأمر بالحالات التالية:



حالة الإذن بزواج الفتى أو الفتاة دون سن الأهلية بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك (م 20 مدونة الأسرة).

حالة عدم موافقة النائب الشرعي للقاصر من الموافقة على زواجه (م 21 مدونة الأسرة).

حالة عدم موافقة القاضي على منح الإذن بزواج الشخص المصاب بإعاقة ذهنية رغم رضا الطرف الآخر بعقد الزواج مع المصاب بالإعاقة (م 23 مدونة الأسرة).



–وهي كلها طلبات تطرح العديد من الإشكاليات ذات الصبغة الاجتماعية والثقافية والحقوقية والاقتصادية والتي حاول القضاء المغربي التعامل معها ببعد نظر وموضوعية وبرؤية مقاصدية محاولا تقريب الحقيقة القانونية من الحقيقة الواقعية حيث كان يرفض الاستجابة لطلبات الزواج خاصة بالنسبة للقاصرات أو الزواج المختلط عندما يظهر له مساس بالنظام العام الأسري ويستجيب بمرونة عندما تكون هذه الزيجة متوازنة و تحمل مقومات نواة أسرية مستقرة تضمن فيها الأطراف الضعيفة حقوقها وكل ذلك بعد إجراء كافة البحوث الاجتماعية والخبرات الطبية لتكوين قناعته سواء بالموافقة أو الرفض، كما تدل على ذلك إحصائيات سنة 2011.



ثانيا: الاختصاص التقريري الواسع لمحكمة الأسرة



تعتبر هيئة الحكم الجماعية أو ما يمكن أن نصطلح عليها بمحكمة الأسرة بالمعنى الضيق داخل أقسام قضاء الأسرة الجهاز الرئيسي المختص في البت والتقرير في عدد من القضايا الأسرية عن طريق مساطر تراعي التيسير والتبسيط والسرعة في الإجراءات والأحكام، وذلك على وجه الانفراد ودون تقاطع أو تداخل مع اختصاصات الأجهزة القضائية الفردية الأخرى المكونة لمحكمة الأسرة بالمعنى الواسع. فأغلب القرارات الحاسمة تتخذ من طرفها مما يجعلها مركزا للقرار في مجال التدخل القضائي في القضايا المتعلقة بالأسرة. ذلك أنه بتراجع سلطة الأطراف في الدعوى وتقلص اختصاصات قاضي التوثيق أصبحت هذه الهيئة بمحكمة الأسرة هي الجهاز المقرر والمتحكم في مصيرها ويرجع السبب في ذلك إلى عاملين:



أولهما: مراعاة أولوية المصلحة العامة للأسرة على مصلحة أطرافها، الأمر الذي قلص من مكانة وصلاحيات هؤلاء مقابل تنامي وتقوية مكانة وصلاحيات محكمة الأسرة بالمعنى الضيق في الدعوى.



ثانيهما: كلما تعلق الأمر بمسألة مرتبطة برعاية وحماية مصالح الأسرة قد يترتب عنها نشوء دعاوى أخرى؛ كدعوى التطليق أو التطليق للشقاق في حالة طلب الإذن بالتعدد مثلا إلا ويفرض تدخلا تحكيميا وإصلاحيا من طرف المحكمة.



وهكذا، فقد أصبحت هيئة الحكم الجماعية بمحكمة الأسرة تحتل مكانة مركزية ضمن أجهزة القضاء الأسري الجديد، بحيث لم تعد جهازا للحكم في القضايا الأسرية النزاعية فسب كما كان حال الأحوال الشخصية سابقا، بل أصبحت تتمتع باختصاصات جديدة تسمح لها بأن تلعب دورا رياديا في الإشراف والرقابة في إطار وظيفتها الجديدة وهي رعاية وحماية شؤون الأسرة.



فقد أسندت مدونة الأسرة اختصاصات جديدة لمحكمة الموضوع ونقلت إليها بعض مهام القاضي المكلف بشؤون القاصرين وقاضي التوثيق، ولم يقتصر هذا النقل على الاختصاصات القضائية التي كان يتولاها هذا القاضي الأخير كمحاولة الصلح والإشراف على تحديد مستحقات الزوجة والأطفال والبت في التدابير المؤقتة قبل الحكم بالطلاق أو التطليق، وإنما امتد هذا الاختصاص ليشمل اختصاصات ولائية كاختصاص  الإذن بزواج التعدد رغم أنها – مدونة الأسرة – انشأت مؤسسة قاضي الأسرة المكلف بالزواج كقاضي أذون الزواج. وهو اختصاص يفسر رغبة المشرع في تمكين هذه المحكمة من ممارسة اختصاصها الواسع المهيمن على كل أجهزة قضاء الأسرة وذلك كلما تعلق الأمر بمسألة أساسية مرتبطة برعاية وحماية شؤون الأسرة.



خاصة عدم الإذن بالتعدد. والمحكمة هنا لا تتقيد بما يطلبه الأطراف، وإنما تساهم في خلق توازن بين مصالح الأطراف مع تغليب جانب المصلحة العامة وهي إنقاذ الأسرة التي تعاني هذه الصعوبات والمشاكل من التفكك والانهيار.



وبالاطلاع على إحصائيات الأحكام القضائية الصادرة في التعدد يتضح أن المحاكم تتعامل معه بقدر الحاجة – أي كضرورة – وفق القيد المتمثل في توفر المبرر الموضوعي الاستثنائي.



وبذكر هيئة الحكم الجماعية نذكر غرفة المشورة ذات الأهمية القصوى في احتضان الإجراءات السرية وذات الطابع الاصطلاحي والتوفيقي التي تسبق عادة القرارات الحاسمة التي تتخذها المحكمة في شأن المساطر المتعلقة بانحلال العلاقة الزوجية وذلك من خلال الاستماع إلى الزوج والزوجة ولكل شخص يتبين من أقواله أنها مفيدة للمحكمة بما في ذلك الاستماع إلى الشهود.



كما أنه في مسطرة التطليق للشقاق تنبسط أمام محكمة الأسرة بالمعنى الضيق صلاحيات مهمة لإصلاح ذات البين واستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين، وفي تقدير وإثبات الضرر وتحديد مبلغ التعويض المستحق عن هذا الضرر والحكم بمستحقات الزوجة والأطفال، وذلك داخل أجل لا يتجاوز ستة أشهر من تاريخ رفع الدعوى إليها. ولعل إرادة المشرع قد انصرفت من وراء تحديد هذا الأجل إلى حث المحكمة المرفوع إليها الطلب على البت فيه بالسرعة المناسبة وتمكين الأطراف من حقوقهم في وقت وجيز.



وفي إطار الدور التقريري في مسطرة التعدد والطلاق، تتدخل المحكمة كذلك للبت في كل النزاعات الناشئة عنهما أو المتصلة بهما. وهكذا فإذا تبين للمحكمة أن عدم توصل الزوجة بالاستدعاء كان ناتجا عن تحايل الزوج أو تقديمه بسوء نية لعنوان غير صحيح أو تحريف في اسم الزوجة، طبقت عليه المحكمة العقوبة المنصوص عليها في الفصل 361 من القانون الجنائي بطلب من الزوجة المتضررة.



وفيما تعلق برعاية شؤون الطفل المحضون، تتدخل المحكمة للبت في الخلاف الذي يثور بين النائب الشرعي والحاضن وفق ما تقتضيه مصلحة المحضون. ويمكنها أن تعيد النظر في الحضانة أو تقرر بناء على ما لديها من قرائن لصالح رعاية المحضون إسناد الحضانة لأحد الأقارب الأكثر أهلية، فقد جاء في إحدى حيثيات  محكمة النقض: "... لكن حيث إن المادة 186 من مدونة الأسرة أعطت للمحكمة صلاحية مراعاة مصلحة المحضون أثناء إسناد حضانته لمستحقيها والمحكمة لما أبقت على المحضونين (م) و (أ) تحت حضانة جدتهما من أمهما بناء على البحث الذي أجرته في القضية واستمعت خلاله إلى جميع الأطراف، والذي استنتجت منه أن المحضونين يعيشان منذ ولادتهما مع جدتهما وأنهما يحظيان من قبلها بعناية فائقة ويتابعان دراستهما بشكل جيد ويتمتعان بصحة جيدة، وأن والدهما لم يسبق أن زارهما في أية مناسبة لدرجة أنهما أبديا بكل عفوية وتلقائية جهلهما له وتمسكهما بجديهما إضافة إلى أن الطاعن متزوج وله ولدان من زوجته الثانية تكون قد راعت مصلحة المحضونين وطبقت مقتضيات المادة 186 تطبيقا سليما وبنت قرارها على أساس وعللته تعليلا كافيا وما بالوسيلة تبقى بدون اعتبار". فمحكمة النقض من خلال هذا القرار راعت تحقيق مصلحة المحضون في إسناد حضانة الوالدين لجدتهما من أمهما على التمسك بحرفته المادة 171 التي تعطي الأولوية في الحضانة بعد الأم، للأب على أم الأم. وإذا لم يوجد بين مستحقي الحضانة من يقبلها أو وجد ولم تتوفر فيه الشروط، فإن المحكمة تتدخل لتقرر اختيار من تراه صالحا من أقارب المحضون أو غيرهم، وإلا اختارت إحدى المؤسسات المؤهلة لذلك. وبعد إسناد حضانة الطفل في حالة عدم اتفاق الأبوين على ذلك، مع مراعاة مصلحة المحضون في القرار الذي اتخذته، ففي قرار للمجلس الأعلى جاء فيه: "... حيث تعيب الطالبة القرار بنقصان التعليل الموازي لانعدامه، ذلك أن المطلوب قد غادر الديار الإيطالية بمحض إرادته واستقر بأرض الوطن بينما الأبناء المطلوب زيارتهم ما زالوا يتابعون دراستهم برفقتها في إيطاليا...



حيث تبين صحة ما عابته الطالبة في الوسيلة، ذلك أنه بمقتضى المادتين 182 و186 من القانون رقم 03-70 بمثابة مدونة الأسرة، فإنه يتعين على المحكمة عند تحديد فترات الزيارة وضبط الوقت والمكان، أن تراعي ظروف الأطراف والملابسات الخاصة بالقضية، كما تراعي مصلحة المحضون في ذلك وأن القرار المطعون فيه بالنقض الصادر بتاريخ 17/03/05 لما أيد الحكم الابتدائي القاضي بتسليم الولدين (...) إلى المطلوب قصد زيارتهما وصلة الرحم معهما مرة في الأسبوع نهار يوم الأحد تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها مائة درهم عن كل أسبوع يتم فيه الامتناع، دون أن يراعي أن الولدين المذكورين يتابعان دراستهما في إيطاليا برفقة الطالبة وأن المطلوب مستقر بأرض الوطن، ومدى تأثير هذه الظروف على إمكانية تنفيذ التعليل الموازي لانعدامه ومعرضا للنقض". وتتدخل المحكمة كذلك لإسقاط حق الحضانة في حالة اختلال شروطها أو الإخلال بواجباتها بما قد يمس بمصلحة المحضون. فقد جاء قرار محكمة النقض: "... أما بخصوص طلب سقوط الحضانة فإن المحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما ثبت لها عدم صلاحية الطالبة للحضانة بعد إدانتها جنحيا بالخيانة الزوجية فإنها تكون قد طبقت مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 173 من مدونة الأسرة تطبيقا صحيحا وأن ادعاء الطالبة عدم توفر المطلوب على جميع الشروط المنصوص عليها في المادة المذكورة لم يعزز بأي دليل، لأن الأصل هو توفر شروط استحقاق الحضانة وعلى من يدعي خلاف ذلك أن يثبته وهو غير حاصل في النازلة...".



وفي مجال كفالة الأطفال المهملين تنبسط أمام محكمة الأسرة صلاحيات تقريرية واسعة تهدف أساسا إلى حماية الطفل المهمل ورعاية مصالح الطفل المكفول، تبتدئ من مسطرة التصريح بالإهمال وإسناد كفالة الطفل، وتنتهي بإسقاطها في حالة ثبوت أسبابها القانونية مع ترتيب كل الجزاءات المدنية والجنائية كلما تعلق الأمر بمس بحقوق الطفل المكفول أو إضرار بمصالحه.



الحاصل مما سلف أن محكمة الأسرة بالمعنى الضيق هي الجهاز التقريري من بين أجهزة التدخل القضائي في قاون الأسرة المغربي، وأن طبيعة القرارات المتخذة من طرفها لا تتخذ فقط طابعا قانونيا وإنما أيضا طابعا اجتماعيا لأنها تصدر في الغالب وفق اعتبارات الملاءمة الأخرى مما يمكنها من هامش واسع من الحرية في اتخاذ مقرراتها. ولا شك أن تعليل قراراتها في هذا الباب سيكون بناء على منطق اجتماعي إلى جانب ما هو قانوني.








  Organigramme : Document: الآلية الثانية: النيابة العامة طرف أصلي في الدور القضائي الجديد








لقد أفرد قانون الأسرة المغربي للنيابة العامة مكانة بارزة ضمن مكونات محكمة الأسرة مما يعتبر مؤشرا قويا على تطور الأدوار المنوطة بها وتجاوز النظرة التقليدية لهذه المؤسسة القضائية المرتبطة أساسا بنظام القضاء الزجري.



ويأتي دور النيابة العامة وتفعيله في هذا القانون من أهم المستجدات التي ترمي إلى حماية الأسرة والتدخل في الوقت المناسب للحفاظ على حقوق أفرادها بشكل إيجابي وفعال. وهكذا نصت المادة 3 من المدونة على أن النيابة العامة تعتبر أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة. كما أن القانون رقم 03-72 أدخل تعليلا على نص الفصل 9 من قانون المسطرة المدنية وأوجب تبليغ كل القضايا المتعلقة بالأسرة إلى النيابة العامة مما يجعل دورها حاضرا في جميع مراحل الحياة الأسرية من الزواج إلى الطلاق إلى الوفاة إلى التركة، وذلك باعتبار أن القضايا التي تمس الأسرة هي قضايا من النظام العام.



إن التحول في طبيعة دور النيابة العامة يرجع إلى التغييرات التي حدثت بخصوص نطاق فكرة النظام العام، فتدخل النيابة العامة اتسع ليشمل جوانب اجتماعية كانت إلى عهد قريب شأنا بعيدا عن اعتبارات النظام العام والمصلحة العامة. فما بين مدونة الأحوال الشخصية ومدونة الأسرة  الجديدة تغيرت ملامح النيابة العامة وازداد وزنها بشكل كبير وأصبح حضورها ثقيلا، هذا الحضور يتضمن بالإضافة إلى دلالته المسطرية والإجرائية حمولة رمزية شديدة توضح الإرادة التشريعية المتجهة نحو وضع القضايا المتعلقة بالأسرة في صلب الشؤون العامة المرتبطة بالنظام العام وبالمصالح الحيوية للمجتمع ككل. مع الإشارة إلى أن المطلوب هو ألا يتجسد حضور النيابة العامة في شكله الرمزي فقط ولكن المطلوب هو انخراط هذا الجهاز فعليا في تحقيق الأهداف الكبرى لقانون الأسرة اعتمادا على الصلاحيات الواسعة المخولة لها قانونا.



إن ارتباط النظام العام والمصلحة العامة بسير القضايا المتعلقة بالأسرة فرض على جهاز النيابة العامة العمل وفق منظور جديد يتجاوز مجرد تبليغها بالملفات إيداع مستنتجاتها، إلى الحضور في الجلسات وإبداء رأيها إلى جانب أطراف الدعوى. ولها أن ترفع الدعوى وتقيمها كطرف مدعي بصفة أصلية أو تكون طرفا مدعى عليه حينما تقام الدعوى في مواجهتها، وينطبق عليها ما ينطبق على الخصوم ولها استعمال جميع طرق الطعن في الأحكام الصادرة القابلة للطعن باستثناء التعرض لأنها تكون دائمة حاضرة في الجلسات. ولها أن تتدخل تلقائيا في كل القضايا واتخاذ التدابير التي تراها ملائمة عند اللجوء إليها كجهة مكلفة بحماية حقوق أفراد الأسرة عند المساس بها.



وهكذا فأول تدخل أساسي للنيابة العامة في هذا الإطار يتمثل في إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية حالا مع اتخاذ الاجراءات الكفيلة بأمنه وحمايته وذلك وفق ما تنص عليه أحكام المادة 53 من المدونة.



وتقوم النيابة العامة بهذا التدخل الأصلي بصفة تلقائية ومن دون أن يكون هناك نزاع معروض على المحكمة. وهو تدخل أملته ضرورة معالجة بعض الوقائع التي كانت تنطوي على معاناة أحد الزوجين من تداعيات الطرد من بيت الزوجية دون مبرر في غياب نص قانوني يخول إمكانية اتخاذ إجراءات فورية لحماية وإرجاع المطرود إلى بيت الزوجية.



وقد استطاعت النيابة العامة بالمغرب من إرجاع أكثر من 55% من الطلبات التي قدمت لها سنة 2011.



وخلال مرحلة الزواج تتمتع النيابة العامة كذلك بسلطات واسعة من خلال مراقبتها لشروطه وأركانه وتصل هذه المراقبة إلى حد المطالبة بإبطاله أو فسخه في حالة الإخلال بهذه الشروط أو الأركان. وعند انحلال ميثاق الزوجية تضطلع النيابة العامة بدور رئيس في تطبيق المقتضيات الخاصة بانحلال العلاقة الزوجية وذلك من خلال حضورها في الجلسات المتعلقة بالطلاق أو التطليق والإدلاء بمستنتجاتها الكتابية أو الشفوية تحت طائلة الطعن في المقرر القضائي الصادر في غيابها (المادة 88 من المدونة)، إلا أن صفتها أثناء هذا التدخل ليست كمدعية أو مدعى عليها وإنما كساهرة على التطبيق السليم لأحكام المدونة وتفعيل بنودها.



وبعد إنهاء العلاقة الزوجية تلعب النيابة العامة دورا أساسيا في حماية الحقوق المترتبة للأطفال خاصة على مستوى مقتضيات الحضانة. وهكذا فقد خول لها المشرع صلاحية اختيار الأصلح للحضانة من أقارب المحضون أو من غيرهم أو من المؤسسات المؤهلة لذلك، وذلك في حالة عدم وجود بين مستحقي الحضانة من يقبلها أو عدم توفر الراغب في الحضانة على الشروط القانونية اللازمة لاستحقاقها، وإذا لم تكن النيابة العامة هي من بادرت إلى رفع الأمر للقضاء لتحديد الأصلح للحضانة، فإنه يتعين على النيابة العامة أن تدلي بمستنتجاتها في الشكل والموضوع للتأكيد على ضرورة استيفاء المختار للحضانة لجميع شروط استحقاقها. وتضطلع كذلك بدور إيجابي وتلقائي عند طلبها إسقاط الحضانة عن الحاضن ولها أن تطبق في ذلك مبدأ الملاءمة واتخاذ ما تراه مناسبا لحماية حقوق الطفل المحضون بالدرجة الأولى.



وتأكيدا على الدور الطلائعي للنيابة العامة في مجال حماية المحضون يمكنها طلب منع السفر بالمحضون إلى خارج أرض الوطن دون موافقة نائبه الشرعي، سواء بتضمين ذلك في قرار إسناد الحضانة أو في قرار مستقل عنه، وهو ما يعني أن الطلب يمكن أن تقدمه في أي وقت وحين وكلما اقتضت مصلحة المحضون ذلك، وعند صدور المقرر القضائي بالمنع من السفر فإن النيابة العامة هي من تتولى مسؤولية تبليغه إلى الجهات المعنية قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان تنفيذه.



وفي إطار دعاوى النسب تتبع النيابة العامة الملفات المفتوحة نظائر لديها وحضور الجلسات والإدلاء بمستنتجاتها الكتابية أو الشفوية بشكل إيجابي، ولها حق الطعن في الحدود المسموح بها قانونا.



وبالإضافة إلى التدخلات السالفة أعلاه، أفرد الكتاب الرابع من مدونة الأسرة المتعلق بالأهلية والنيابة الشرعية سبعة مواد تشير صراحة إلى تدخل النيابة العامة في هذه القضايا. وهكذا، فعندما يصدر الحكم بالتحجير أو برفعه بناء على طلب المعني بالأمر أو من النيابة العامة أو ممن له مصلحة في ذلك، يبقى دور النيابة العامة هنا رئيسا سواء أكانت هي الطالبة أم فقط أدلت بمستنتجاتها، كما يمكنها أن تطلب من القاضي المكلف بشؤون القاصرين إلغاء الإذن بتسليم الصغير المميز جزء من الأموال لإدارتها بقصد الاختبار وذلك إذا تبين لها سوء التدبير في الإدارة المأذون بها، وعند الانتهاء من إحصاء مال المحجور يمكن للنيابة العامة أن تقدم ملاحظاتها إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين حول تقدير النفقة اللازمة للمحجور واختيار السبل التي تحقق حسن تكوينه وتوجيهه التربوي وإدارة أمواله. وهنا يلاحظ أن دور النيابة العامة يطبعه طابع الاستمرارية في المراقبة والتدخل خلال مرحلة التحجير، وذلك بما يحافظ على مصالح المحجور ومنع أي عبث بأمواله. وفي هذا الإطار يمكن للنيابة العامة أن تطلب إجراء حجز تحفظي على أموال الوصي أو المقدم أو وضعها تحت الحراسة القضائية أو فرض غرامة تهديدية إذا لم يقدم إيضاحات ن إدارة الأموال المحجور أو لم يقدم حسابا حولها أو لم يودع ما بقي لديه من أموال بعد توجيه إنذار إليه.



إن هذه الأدوار المنصوص عليها أعلاه هي ترسيخ لصلاحيات النيابة العامة التي كان منصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، مع توسيعها وتطويرها بما يستقيم والفلسفة الجديدة وكذا الأهداف التي ينبني عليها قانون الأسرة المغربي الجديد.



كما أن النيابة العامة تعتبر جهازا مشاركا في سير الخصومة القضائية حيث إنه من المهام الأساسية التي تضطلع بها في قضايا الأسرة نجد الدور الإخباري الذي تقوم به اتجاه أطراف النزاع على مستوى إجراءات التبليغ وهو ما يعكس رغبة المشرع ففي تكريس مبدأ السرعة في البت.


Organigramme : Document: الآلية الثالثة: مركزية الصلح في تحقيق الأمن الاجتماعي والأسري
متخصصة

يكتسي الصلح أهمية بالغة في التشريع والنظام القضائي المغربيين لأنه ينهي النزاع بين أطرافه بحلول حبية وفي أسرع الآجال وبأقل التكاليف، ويحافظ على العلاقات الاجتماعية والعائلية لذلك فمن أبرز الصلاحيات المخولة للمحكمة هو تدخلها الاجتماعي في القضايا المتعلقة بالأسرة من خلال مسطرة الصلح. ومن خلال هذا الدور يتجلى قوة التدخل القضائي وسعة الصلاحيات التي يملكها ليس فقط لتدبير المسطرة كما في السابق وإنما أيضا لتدبير شؤون الأسرة.



ولتعلق دعاوى الأسرة بجوانب إنسانية أسرية واجتماعية فقد وسع قانون الأسرة المغربي من هذا الإجراء، وخلق له مؤسسات مساعدة عدة على صعيد مدونة الأسرة.



وفي الواقع، فإن قاضي الأسرة تنبسط أمامه بواسطة هذه الآليات القانونية سلطة واسعة للقيام بدوره كمصلح اجتماعي – Réformateur social– لإنهاء النزاع بواسطة الصلح. لكن كل ذلك متوقف على فعالية وفاعلية المؤسسات المعنية بالصلح، وعلى شخصية ومؤهلات القاضي الذي يبت في تلك الدعاوى ومدى ملاءمة الظروف التي يعمل فيها من حيث توفر الوقت، بل وحتى الاختصاص في الموضوع.



وهكذا، فقد انصب التجديد الذي أدخله المشرع بخصوص النظام القانوني للصلح على جعل النظر فيه من اختصاص المحكمة بدل قاضي التوثيق، سواء بمناسبة الإذن بالتعدد (المادة 44 من المدونة)، أو عند طلب الإذن بتوثيق الطلاق (المواد 81-82-89-114 و120 من المدونة)، كما أن طلب التطليق بطلب من احد الزوجين بسبب الشقاق يفرض على المحكمة القيام بمحاولات إصلاح ذات البين (المادتان 82 و94 من المدونة)، وفي حالة طلب التطليق لإخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج أو الضرر أو عدم الإنفاق أو العيب أو الإيلاء والهجر يتعين أيضا على المحكمة القيام بمحاولة الصلح (المادة 113 من المدونة). وبذلك تعتبر مسطرة الصلح في القضايا المتعلقة بالأسرة من أهم الوسائل التي بيد المحكمة لرأب الصدع بين طرفي العلاقة الزوجية. ولم تعد تعتبر محاولة شكلية بسيطة بل هي مسطرة وجوبية لابد للقضاء من القيام بها قبل البت في الدعوى.



وقد كرست محكمة النقض هذه المقاربة الإصلاحية من خلال العديد من قراراتها التي أكدت فيها على أن عدم إجراء المحكمة مسطرة الصلح بين الأطراف يعد خرقا للقانون يبرر نقض الحكم المطعون فيه.



كما أنه من المظاهر التي تبرز الوظيفة الوقائية الجديدة للقضاء نجد المجال الواسع الذي تركه المشرع أمام المحكمة بمناسبة نظرها مثلا في طلبات الإذن بالتعدد حيث تقوم بكل المحاولات للإصلاح بين الزوجين، ولاختيار الوسيلة التي تراها مناسبة لتحقيق الصلح دون أن يقيد سلطتها بوسيلة دون أخرى فيتم الاستماع إليهما بغرفة المشورة وخلال هذه الجلسة تقوم المحكمة بجميع المحاولات الرامية إلى تقريب وجهة نظرها وإنهاء النزاع القائم بينهما وإذا ما بدا لها من خلال المناقشة أن المصلحة تقتضي تأخير القضية إلى جلسة أخرى إما تلقائيا أو بناء على طلب الزوجين أو أحدهما، فإنه يجوز تأخيرها مع إشعار الطرفين بتاريخ الجلسة الموالية، كما يمكنها أن تؤجل القضية لاستدعاء من ترى فائدة في الاستماع إليه.



ويناقش القضاء الأسري بكل حرية وفي إطار الحجج المتوفرة مدى توفر المبرر الموضوعي الاستثنائي للاستجابة لطلب الإذن بالتعدد وكذا مدى كفاية الوضعية المادية لطالب التعدد لإعالة أكثر من أسرة واحدة وضمان جميع الحقوق ومستلزمات الحياة المرتبطة بذلك فقرار المحكمة يجب أن ينبع من صميم قناعتها وسلطتها التقديرية، وهي في اختيارها بين الإذن بالتعدد أو رفضه تكون موجهة باعتبارات اجتماعية أكثر منها قانونية، وهنا تبرز قوة الصلاحيات التي تملكها المحكمة في اختيار حل للنزاع. إلا أن قرارها لابد أن يحاط بالضمانات الأساسية لحقوق الدفاع، ومن أبرزها مبدأ الحضورية، وفي سبيل ذلك تستمع المحكمة لآراء ومقترحات مختلف الأطراف.



وتكريسا لنفس التوجه الوقائي وحداًّ من ظاهرة الطلاق التعسفي الذي كان يقدم عليه الزوج دون أن يلزم بتبرير تصرفه الانفرادي جعل هذا التصرف تحت رقابة القضاء وكلف ببذل كافة المساعي التوفيقية والإصلاحية التي يمكن أن تساعد على إنقاذ الأسرة من أزمتها حيث تجري المحكمة المناقشات بغرفة المشورة بحضور الطرفين ولها أن تلجأ إلى جميع إجراءات التحقيق المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية للوقوف على الأسباب الحقيقة للنزاع. وفي هذا السبيل يمكنها أن تنتدب حكمين أو مجلس العائلة أو كل من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين بين الزوجين كأئمة المساجد وحفاظا منه على حقوق الأطفال فإن المشرع ألزم المحكمة بإجراء محاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن 30 يوما الهدف منها إخماد أجيج الغضب وتهدئة النفوس وفي حالة الوصول إلى إصلاح ذات البين فإن المحكمة تحرر محضرا بذلك للإشهاد عليه (المادة 82 من المدونة) أما إذا تعذر الإصلاح فإن المحكمة تحدد مستحقات الزوجة والأطفال الذين يكون الزوج ملزما بالإنفاق عليهم مع مراعاة الوضعية المعيشية والتعليمية التي كانوا عليها قبل الطلاق ويتعين على الزوج إيداع المبلغ المحدد بكتابة الضبط داخل الأجل المحدد له وإلا يعتبر متراجعا عن رغبته في الطلاق وقامت المحكمة بالإشهاد على ذلك (المادة 86 من المدونة).



وقد بلغت نسبة محاولات الصلح حوالي 20% من الملفات الموضوعة أمام القضاء المغربي سنة 2011.



ولا شك أنه رغم هذا أهمية الدور الإصلاحي الذي يقوم به القضاء في سبيل تجاوز الصعوبات والمشاكل الأسرية أو التخفيف منها فإن هذه المسطرة تعترضها عراقيل وصعوبات متعددة بعضها يعود لأسباب قانونية وأخرى لأسباب شخصية أو اجتماعية أو قيمية تعود للفاعلين في عملية الصلح من أطراف، ومجلس عائلة وقضاة ومساعدي العدالة يمكن تعداد بعضها كالآتي:



إشكاليات التبليغ للأطراف تحول دون إجراء محاولة الصلح

عدم رغبة الأطراف أنفسهم وعدم اقتناعهم بجدواها.

تخوف قاض الصلح من الغوص في النزاع حتى لا يتهم في حياده ولا يتأثر في تجرده

عدم ترسيخ ثقافة الحلول البديلة والتسويات الودية.

ضغط الملفات وكثرة القضايا.

عدم التوفر على المهارات الكافية لتدبير النزاعات الأسرية (التواصل/ الإقناع/ حسن الاستماع/ طرح أكثر من حل...)

غلبة النظرة الضيقة والمصالح الخاصة لمساعدي العدالة مثل المحامين تجعلهم يذكون نار النزاع وكثرة الشكايات الكيدية...

تعليقات